ما حدث في مجلس الشعب أمس يختصر لنا حالة مصر وعافيتها وطريقة إصدار القرارات فيها إضافة إلى معايير العدالة التي لها ألف مكيال وليس فقط مكيالين ، محافظ القاهرة أصدر قرارا مؤيدا من المجلس المحلي والإدارات الهندسية المختصة بإزالة مخالفات مباني لنائب الوطني المليونير مصطفى السلاب ، نائب مدينة نصر الذي انتزعوا له العضوية بعد خلاف شهير مع مرشحة الإخوان المسلمين التي حصلت على أعلى الأصوات وتم تسوية الخلاف "بقعدة عرب" ، محافظة القاهرة أكدت على أن السلاب وعائلته ارتكبوا العديد من مخالفات البناء الفجة والتي أكدت لجان هندسية مخالفتها للقانون ، وبالتالي قرر المحافظ إزالتها ، فما الذي حدث ، اتصل السلاب صباح أمس بوزير الإسكان وطلب منه الحضور إلى البرلمان لكي يعلن من خلاله إبطال قرار محافظ القاهرة بإزالة مخالفات بنائه ، الوزير لم يستطع أن يتأخر وحضر بالفعل لكنه ارتبك عندما طالبه النواب بإعلان قرار فوري بوقف قرار المحافظ ومنع إزالة المخالفات ، أو بمعنى أوضح "وقف تنفيذ القانون" ، الوزير كان يبحث عن أحد "يشيل" القضية ، لأنه لا يمكنه تحمل عواقب إصدار قرار بوقف تطبيق القانون ، نواب الحزب الوطني هاجوا وماجوا وتظاهروا في البرلمان للدفاع عن مخالفات المباني وإهدار القانون في مباني ومنشآت أسرة السلاب ، وشتموا محافظ القاهرة وتوعدوه بالويل والثبور ، طبعا المحافظ رفض القدوم إلى البرلمان لأنه كان يعرف ما يعده "حماة الشرعية" هناك ، مخاوف وزير الإسكان حلها له رئيس البرلمان ، الذي اتصل بالدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء وأخبره بثورة الأعضاء وأنه لا بد من إصدار قرار بوقف تنفيذ إزالة مخالفات السلاب ، ولم يتردد نظيف وأصدر قرارا فوريا بإلغاء قرار محافظ القاهرة ، وحتى يتم التلطيف من فجاجة المشهد وعبثيته وفضائحيته قال الدكتور سرور أن وزارة الإسكان سوف تشكل لجان هندسية "خاصة" لدراسة وضع هذه المباني والمنشآت وما إذا كانت مخالفة أم لا ، المضحك أن السلاب نفسه اعترف بالمخالفات وقال أنها لا تزيد على 14 مخالفة ، فقط لا غير ، ويدعي أنه قام بتسوية الأمر مع الجهات المعنية ، فإذا كان الرجل يعترف بالمخالفات فما هي قيمة وجدوى اللجان الهندسية التي تدرس "الوضع على الطبيعة" ، المعنى بالطبع أن يأخذوا بعض الوقت من أجل "طرمخة" الموضوع ، وتسوية الخلاف "الشخصي" بين السلاب ومحافظ القاهرة بقعدة عرب أخرى، ولن تزال مخالفات مباني السلاب وسيدوس هو والبرلمان على القانون والقواعد واللوائح ، ولن يستطيع محافظ القاهرة أن يطبق القانون ، لأن القانون مفصل للغلابة والمهمشين ومن لا ضهر لهم ، ولا يطبق القانون على الباشوات أو المماليك الجدد ، أرجو أن يجول القارئ بخاطره ويتصور أن يكون قرار محافظ القاهرة متعلقا بمواطن بسيط في امبابة أو شبرا أو حتى في مصر الجديدة أو المهندسين ، هل يمكن تصور أن تنتفض من أجله الدولة ويتحرك البرلمان ويصدر رئيس الوزراء أو حتى الوزير قرارا بحمايته ووقف قرارات الإزالة ، أم أنك سترى مصفحات الأمن المركزي تحاصر المكان والخوذات تلمع لحماية البلدوزرات وهي "تنفذ" القانون ، السلاب قال في مجلس الشعب أمس أنه لا يوجد أحد في مصر يكرهه إلا محافظ القاهرة ، أي أن المسألة فيها جانب شخصي ، وهذا يزيد الطين بله ، لأنه يعني أن السلاب كان مخالفا للقانون والقواعد باعترافه هو وأن الدولة كانت تغض الطرف عنه ، بينما تسحق الآلاف من المواطنين البسطاء ، ولم يتذكره المحافظ إلا بعد وقع خلاف "شخصي" ، ووزير الإسكان عقب وقال أن الحكومة ستنظر إذا ما كان الأمر لدد في الخصومة أم أنه تقني وهندسي فعلا ، وهذا يعني طعن الحكومة في نزاهة وصدقية كل أدواتها وأجهزتها التي تعتمد عليها في جميع القرارات المشابهة ، وهو ما يعني أن المواطنين يكونون عادة تحت رحمة أشخاص وأمزجة وليس قوانين أو لوائح وقواعد ، الأمر الآخر أن الحال نفسه وقع مع النائب المعارض جمال زهران ، واستنجد بطوب الأرض فلم يشفع له أحد ، ولا سمعه وزير لا خفير وتم تنفيذ قرارات الإزالة ، أحد النواب في البرلمان أمس وصف ما حدث بأنه "مسخرة" ، وأتصور أن هذا الوصف يصلح لمجمل وضع "الدولة" في مصر اليوم . [email protected]