بلا شك أنّ ملف المراجعات النقدية مهمٌ للغاية في أروقة التيار الإسلامي السعودي وهي حالة ضرورية لكل أقطار الوطن العربي خاصةً مع تطور القراءة الفكرية للجيل الرابع من أبناء التيار الإسلامي وانكشاف حالات كارثية من مسئولية ضعف الخطاب الإسلامي وجموده واضطرابه في مفاصل حساسة من قضايا الفقه الدستوري الإسلامي حقوقيا وإصلاحيا وحضارياً وعلاقة المجتمع الدعوي بالآخر المواطن المسلم بلا تحزيب ولا تنظيم و إنسان الوطن المختلف فكريا المتحد جغرافيا ووطنيا . إضافة إلى القصور الضخم في الديمقراطية الداخلية داخل التيار الإسلامي السعودي والخليجي التي ليست بدعاً عن الحالة الكئيبة لباقي أشقائها مع غياب أصلي لرؤى الاستشراف للمستقبل للإجابة عن ملفات التنمية والمشاركة السياسية والموقف من مستقبل الخليج العربي وتجاذبات الصراع والصفقة بين القطبين , ولعل من الدقيق أن يُقال أنّ هناك إضافةً أخرى تخص الحالة السعودية في علاقة المدارس التفكيرية التقليدية والتربوية والثقافية بالحالة الوطنية العامة ورسوخ المنهج السلفي كإحدى المرتكزات التي قامت عليها الدولة الوطنية الحديثة والمرجعية الثقافية المعطى لها مع عصف شديد يهب على هذا المنهج من قوى تختلف كُلياً مع المرجعية الإسلامية الدستورية وحتّى بخطابها الراشد والحضاري وبين اختلاف اقل لم يستطع احدٌ أن يقارب بين هذه الرؤى فيسدد ويخفف من حدة الاحتكاكات في ظل إعلام علماني قوي يصدر من الخارج بأسماء سعودية وبعضه من الداخل وأحياناً يبدوا أن هدف بعض هذه الحملات العلمانية وبعض مضاديها في الاتجاه المحافظ هو إشعال الصراع لأجل الصراع وليس لغرض إصلاحي أو تفاهم موضوعي أو على الأقل الإيمان بشراكة الوطن وثوابت الاستقرار . لكن الايجابي هو ظاهرة تشكّل جيل اليقظة الذي آمن بضرورات المراجعة وتدشين مرحلة انتقالية لفكر النهضة الإسلامي بمفهومه الشمولي وليس من خلال بعض الأطروحات الإدارية المستقيلة من الانتماء ألأممي والمنسحبة من قضايا الصراع المصيرية في مناطق الاعتداء على المسلمين وفي مقدمتها فلسطين أو المتخلية كليا عن ثقافة النضال المجتمعي الثقافي أو الإصلاحي ولكنها تبدوا في التيار الإسلامي السعودي واعية لكل تلك الملفات مع اختلاف المسارات وتعددها . وهذا التوجه حَسم قضية مفهوم المواطنة والإيمان بالدولة الوطنية دون الحاجة لعزل هذه الشراكة الوطنية عن علاقتها بالأمة بل تشريعها في إطار إسلامي واضح كما انه يعطي أهمية مباشرة لحقوق الانتماء الوطني مرتبا إياها في ثقافة دستورية وحقوقية تجعله يدفع بقاعدته للتطوير الوطني مجتمعياً ودستوريا وثقافيا وتنمويا , وهذا الانعطاف الايجابي المهم في القواعد الشبابية للتيار الإسلامي السعودي كما هو ارصده في كل أقطار الخليج بدء يُخرج تلك الجموع الحائرة من ثقافة الإحباط والاضطرار التي تدفعه لإعادة تكرار النقد كتنفيس وتعزيز قناعة العجز ولكنه نقله إلى دائرة تأسيس أرضية جديدة لا تسعى لافتعال المعارك مع الأطر التقليدية بل تتعاون معها في المشتركات مع إصرار واضح على الاستقلال بحرية الرأي وسماء الفكر الجديد وقواعده المنطلقة من مقاصد التشريع الإسلامي وهَمّ صناعة المشروع التقدمي الإسلامي في الإطار الوطني الجامع المتفاعل مع كل أطياف الوطن وأين ما كانت صناعة النجاح مؤسسة رسمية أو مجتمعية مع محافظة على قيم أصيلة في ثقافة المشروع الإسلامي ترعى دون مبالغة وضجيج أو تهوين حرص المجتمع على الحفاظ على قيمه السلوكية الإسلامية . والجميل أن هذا الجيل الإسلامي الرابع شباب وشابات يتشكّل من ثقافات فكرية متعددة سلفية واخوانية ومذهبية سنية واجتهادية وتقليدية وتربوية وتنويرية وحقوقية بدئت تمارس عمليا معنى الاتفاق والاشتراك ومعنى احترام الاختلاف والتنوع وتنسج علاقات وتطرح رؤى بل وتُنفّذ سلسلة من البرامج العملية للنهضة الوطنية الجامعة المنطلقة من تفكير إسلامي منفتح مجمع على إقصاء الإقصاء ...ومن المؤكد أنّ هذا التشكل في طوره الحديث , لكنني لاحظت تفاعل وتوسّع كبير في قاعدته وحماس بدء يدب في صفوف تشكيلات الصحوة القديمة ويندمج مع تشكيلات اليقظة الجديدة تشعرك أنّ الهتاف في صفوفهم يرتفع ...لقد تعبنا من الصراع بيننا... فلنوقد الشموع لينتشر الضياء لكل الوطن وليس للإسلاميين فقط . [email protected]