هل كان يتوجب علينا أن ننتظر اختطاف جنودنا حتى تنتبه وزارة الداخلية المصرية إلى خطورة الإسراف في المعاملة القاسية والظروف الصعبة التي يعانيها السجين في سجن العقرب شديد الحراسة، سيئ السمعة والتاريخ؟! لا ذنب لجنودنا المختطفين الأبرياء ليدفعوا ثمن استمرار سياسة غلبت على عهد المخلوع مبارك، وظلت آثارها مستمرة مع عجز البعض عن اتباع طرق علمية كريمة في إنجاز البحث الجنائي وتحقيق العدالة. وما اضطرت إليه الداخلية مؤخرًا من نقل أقارب الخاطفين المسجونين في سجن العقرب إلى سجن مبارك، كان يمكنها تجنبه لو كانت التزمت بقواعد صارمة للمعايير الإنسانية في السجون المصرية بما لا يجعل تشديد الحراسة قرينًا لسوء المعاملة. عمومًا، نحن كنا نتمنى ألا يكون لسجن العقرب ذكر بعد الثورة، وكنا نتطلع ألا تكون إحدى مطالب خاطفين هي تهيئة مناخ آدمي للمسجون الذي هو في النهاية مواطن مصري مهما بلغ جرمه أو خطورته. إن عملية الخطف آثمة، ومهينة في ذات الوقت، ولا يمكن تبريرها بحال، ولكن مع ذلك؛ فإنه كان أكرم لنا جميعًا ألا يكون للخاطفين أي منطق في جملة مطالبهم المتعددة.. الأهم، ألا تنتهك آدمية أي متهم في أي سجن من السجون، وأن تكون سجوننا مكانًا للإصلاح والتأديب، وليست أقبية لانتهاك حقوق الإنسان المصري.. وإذا كان من درس ينبغي أن نخرج به من هذا الفصل من القضية؛ فهو ضرورة إغلاق هذا السجن سيئ السمعة، وتوفير أماكن ملائمة لعقوبة السجن، واحترام آدمية مواطنينا أكانوا برآء أم مدانين. ومصر الحرة الجديدة، التي نحلم بها جميعًا، والتي نتوقع أن يرسم ملامحها نظام ديمقراطي يراعي الحقوق الأساسية للمواطن المصري، لا مكان فيها للعقارب والحيات، ولا ينبغي أبدًا أن يحمل سجنًا فيها هذا الاسم المفزع الذي لا يعبر فقط عن رغبة سادية لمن أطلق عليه هذا الاسم في العهد البائد، وإنما هو بالتأكيد يجسد الاسم في فتكه بالمساجين، وإصابتهم بأمراض وعاهات عدة سمعنا بمرارة عن كثير منها إبان حكم المخلوع مبارك؛ فتصميم السجن لا يسمح أصلًا بتحسين ظروف المساجين حتى لو رغب مسؤولوه في ذلك؛ ففلسفة تصميمه لا تقوم فقط على توفيره لحراسة مشددة مضاعفة لمجرمين أو إرهابيين خطرين فقط، وهذا مقبول بطبيعة الحال، وإنما يعمل على إذلال وإمراض ساكنيه، ويحول دون تحقيق الشعار الشهير للسجون المصرية بأنها "تأديب وإصلاح"، فإصابة المساجين بالأمراض النفسية والعصبية والعضوية ليس من أهداف عملية تقييد حرية المدان في أي جريمة؛ فضلًا عن أن يشمل ذلك المحبوسين احتياطيًا، وهو ما قد حصل بالفعل مع كثيرين مثل القيادي بحركة 6 إبريل أحمد ماهر، وروايته لمشاهداته لمحبوسين احتياطيًا فيه، علاوة ما يقال عن آخرين، (بالمناسبة: لم تكن عبارات ماهر بالتليفزيون عن تعجبه من احتجازه به، وهو السجن المخصص للإرهابيين ونحوهم مريحة بالمرة، حيث لا ينتظر أن يصبح الدفاع عن حق المحتجزين انتقائيًا واستثنائيًا ما بين ناشط سياسي، ومتهم سياسي أو حتى "إرهابي" في المعاملة الإنسانية الواجبة دستورًا وقانونًا). إن أخطر السجناء اليوم في مصر، ليسوا هم أهل سيناء ولا غيرهم، وإنما هم الذين بنوا هذا السجن نفسه وأذلوا المصريين فيه، ونهبوا خيرات مصر، وقزموا دورها الإسلامي والعربي والإقليمي عمومًا، وخانوا قيمنا ووطننا وشرفنا، وجعلوا من مصر، البلد الرائد القوى، كنزًا استراتيجيًا ل"إسرائيل".. أخطر سجناء مصر الآن هم من يكملون جرائمهم من داخل السجون، وتتدفق أموالهم لعرقلة قيام مصر من كبوتها، وهم المستمرون في جريمة النهب والسلب، حيث تتضاعف أرصدتهم في بنوك الغرب والشرق من سرقة البلاد، ومواطنوهم يؤون من شظف العيش. هؤلاء هم أولى المصريين ب"العقرب"، وهو كفيل بأن ينعش ضمائرهم الميتة لرد أموال الشعب إليه، لكن مع ذلك؛ فإن المبادئ لا تتجزأ، ومصر الجديدة لابد أن توفر الكرامة والمعاملة الآدمية لجميع السجناء على حد سواء. أغلقوا سجن العقرب؛ فمصر الحرة لا مكان فيها للعقارب والحيات.. Amirsaid_r@