أفغانستان سقف العالم كما وصفها الرحالة العالمي ماركو بولو، ونقلها عنه محمد حسنين هيكل في إحدى مقالاته، فالجبال الشاهقة تغطي ثمانين بالمائة من أراضيها، فيما يعيش سكانُها على السفوح أو في الواحات ما بين سلاسلها الجبلية، لذا كان من المستحيل احتلالها كليًّا أو السيطرة عليها، وقد جربت إمبراطوريات كبيرة ذلك فكانت عاقبتها خسرًا. في القرن التاسع عشر غزت بريطانيا أفغانستان، فأُبِيد جيشُها -الذي قدَّرَه البعض بخمسة عشر ألفًا، فيما قدَّره آخرون بخمسين ألفًا- عن آخِرِه، ولم ينجُ منه سوى طبيب عاد ليخبرَ قومَه بما حلَّ من كارثة بالبريطانيين، ثم جرب السوفيت حظهم عندما دعموا السردار داود -والذي تعاون معهم بانقلاب على ابن عمه الملك ظاهر شاه- فدفع حياته ثمنًا لخيانته، وأوقع السوفيت بصراع دموي في أفغانستان. احتلَّ السوفيت أفغانستان بيُسْرٍ وسهولة، وسيطروا على مُدُنِها وقُراها وتمكَّنُوا من جبالها وسفوحها ووهادها، ولم تكن المقاومة قد ولدت بعدُ، وحين هَمَّ السوفيت بالانسحاب فشِلُوا وعجَزُوا، فلقد انطلقت المقاومة وأشتد عودُها وقوي ساعدُها وبلغت مئات الألوف من المجاهدين المسلحين، فأصَرَّت المقاومة على السوفيت أن يتخلَّوْا عن أسلحتِهِم، ليسمحَ لهم بالانسحاب الذليل، فكانت حربُهم في أفغانستان من أهم أسباب انهيار الإمبراطورية السوفيتية في القرن العشرين، ثم تجاهل الأمريكان في القرن الحادي والعشرين حقائق التاريخ، كما جهله أو تجاهله السوفييت في القرن الماضي، لينتظروا دورَهم في المأساة التي ستواجهُها في أفغانستان، وهي محتمةٌ بقدر الله، ثم بمنطق التاريخ. فبعد حربٍ مدمرة شنَّها الأمريكان منذ بضع سنين على أفغانستان، قرَّر كبارُ العسكريين في حلف الناتو وفي الجيش الأمريكي، وكذا كبار السياسيين في أوروبا وأمريكا بأن النصر العسكري في أفغانستان غير ممكن، بل هو إلى الاستحالة أقرب، وصارت تصريحات بعضِهِم كوزير الدفاع الأمريكي أقرب إلى المكابرة منها للواقع العملي والميداني لحفظ ماء الوجه للدولة العظمى –أمريكا- والتي أنهكتها واستنزفتها الحربُ في العراق وأفغانستان بشريًّا واقتصاديًّا، بل وسياسيًّا أمام الأمم الأخرى، ولا سيما حلفاء الولاياتالمتحدة، فنالت من هيبتها، وسببت لها إحراجًا كبيرًا. إن انسحاب أمريكا من أفغانستان مدحورةً أمرٌ لا يطاق ولا يحتمل لواشنطن، كما أن استمرار الحرب هناك يعد استنزافًا اقتصاديًّا وعسكريًّا وبشريًّا لا نهاية له ولا طائل منه، أمر عسير وشاق ويشبه الموت والانتحار البطيء!! فما الحل؟ وكيف المخرج من هذه الدوامة ومن النفق المظلم الذي لا تبدو له نهاية؟! لا بُدَّ من حل يحفظ لأمريكا الهيبة وماء الوجه، ويصون للأفغان استقلالَهم وحريتهم وكرامتهم، وهذا في تقديري يتضمنُه مشروع يحتوي على أربعة بنود أو محاور أو أربعة مراحل. مشروع الحلّ في الحرب على أفغانستان أولًا: تقوم دولة أو دول مقبولة من الأمريكان والأفغان -مثل تركيا وقطر وماليزيا والصين- متفرقة أو مجتمعة، بمساعٍ حميدة بين الطرفين المتصارعين للإعلان عن هدنة تستغرق ستين أو تسعين يومًا، شريطة ألا يستغل أي طرف الهدنة لتعزيز مواقِعِه على حساب الآخر، فيما تسند السلطة إلى حكومة مؤقتة تشكَّل من كبار العلماء وقادة القبائل الموثوقين لدى الأفغان– من ذوي الشهرَة والنفوذ- يوافق عليهم الأطراف المعنية، لتحضِّرَ لانتخابات حرَّة ونزيهة خلال ستة أشهر– فترة الهدنة وثلاثة أشهر أخرى- تشارك فيها جميع الأطراف الأفغانية بمن فيهم مجموعة كرزاي وجماعة الطاجيك –عبد الله عبد الله- والأوزبكيين والهزار، لينبثق عنها برلمان يمثِّل أفغانستان تمثيلًا حقيقيًّا، ومن المستحسن أن تجري الانتخابات بإشراف اللجنة الدولية التي عملت على تحقيق الهدنة المنوَّه عليها أعلاه، بدعم أممي. ثانيا: ينبثق عن البرلمان حكومة دائمة تمثل مكونات الشعب الأفغاني، وتحظى بثقته، استنادًا إلى برنامج مرضٍ وطَمُوح في السياستين الداخلية والخارجية، وتستجيب لآمال الشعب الأفغاني في الأمان والسلام والحريات العامة والاستقلال، وإقامة علاقات بنَّاءَة مع جميع دول الجوار (باكستان، الهند، إيران، الصين وروسيا) قائمة على الاحترام المتبادَل والمصالح المشتركة والصداقة، وتتبنى الحكومة الأفغانية الحياد الإيجابي والبعد عن المحاور الدولية والتكتلات العالمية، لينعم المواطنون الأفغان بالسلام والاستقرار اللذين يتطلعان إليهما منذ عقود. ثالثا: تعلن الولاياتالمتحدة عن دعم الأفغان المستقلين بخطة إعمار طموحة تشمل الإصلاح الصحي والتعليمي والعمراني عن طريق الحكومة الأفغانية دون تدخل مباشر أو غير مباشر، وأيا كان حجم هذا الدعم فإنه لا يشكِّل أكثر من نسبة مئوية بسيطة من تكاليف الحرب الحالية والتي يشنها الناتو بقيادة أمريكا دون طائل، مما ينعكس بالإيجاب على الاقتصاد الأمريكي، وليتحول العداء الأفغاني ضد الأمريكان إلى علاقات طبيعية مبنية على الاحترام والمصالح المتبادلة، بل إن الأمر سينعكس بالإيجاب على صورة الولاياتالمتحدة ومكانتها في عموم العالم الإسلامي. رابعا: بمقدورنا –وبالتعاون مع شخصيات إسلامية ودولية- أن نسهم في هذا المشروع الذي يعود على الإنسانية بالخير وحقن الدماء والتقارب الجاد بين شعوب الأرض الذي قدَّر اللهُ لنا أن نكون من سكَّانِه، وأن نكون من المتجاورين فيه، نعم بالإمكان بذل الجهد في هذا التوجه بما لنا من صلاتٍ مع بعض الأفغان، كما حدث وقمنا بمثل هذا المسعى ما بين الأفغان والسوفييت، وأدت إلى بعض النتائج الإيجابية في حينها. *المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية المصدر: الاسلام اليوم