حركة "تمرد" تقول إننا نستهدف جمع 15 مليون توقيع من الشعب لسحب الثقة من الرئيس مرسي للضغط عليه لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ويقولون إن الحملة والتوقيعات رسالة للرئيس والإخوان بأن الثقة الشعبية فيهم تتراجع، وأن البلاد غير مستقرة تحت حكمهم، وأن الاستبداد والأخونة والتمكين مرفوض، وأن الأزمات تتعمق، ولابد من إسقاط الرئيس وحكم الإخوان ولو شعبيًا على الأقل. حركة "مؤيد" تقف ضد "تمرد" وهي تدعم الرئيس والإخوان، وتقول إن الانتخابات الرئاسية المبكرة غير واقعية، فالرئيس انتخب لأربع سنوات، ولابد أن يكمل مدته القانونية والدستورية، وتقول إن شعبية الرئيس لم تتراجع بالشكل الذي تروج له المعارضة التي تسعى لاستمرار حالة اللاستقرار والتعطيل حتى لا يعمل الرئيس وحكومته، وأن هناك إنجازات تتحقق لكن الإعلام الموجه لا يتحدث عنها، بل ينشر الإشاعات والأكاذيب ويلتقط ما لايستحق ويضخم فيه لتشويه الرئيس ودمغ نظامه بالفشل. هناك منطق لدى كل فريق: المعارض، والمؤيد، وهناك مبالغة لدى الطرفين أيضًا، ما تقوله المعارضة عن مرسي والإخوان لا يقبله العقل كله، فالرئيس الذي تشيطنه المعارضة ليس كذلك، وضجيج نوع من الإعلام يستلهم منطق "جوبلز" وزير الدعاية سيئ الصيت لدى النظام النازي، حيث يبدو من تكثيف القصف أن هناك استهدافًا للرئيس حيث يبدو الأمر وكأن هناك "أمراء في الظلام" يعدون أجندة فضائيات وصحف معينة حيث تجد لغة واحدة، وموضوعات واحدة، وتعليقات واحدة في سيمفونية واحدة تعزف وراء مايسترو قابع هو الآخر في الظلام. هناك أيضًا مبالغة لدى الطرف المؤيد بأن الرئيس ينجز مالم ينجزه الأولون، ولا الآخرون، وأن هناك تعمدًا لإفشاله، وأن المعارضة فاقدة للتأثير، وتلجأ إلى التخريب، أو التغطية على المخربين، وتتحالف مع الفلول لإسقاط الشرعية المنتخبة، وأنها لا تريد إعطاء مرسي الفرصة للعمل، لكن الحقيقة أن مستوى أداء الرئيس غير مرضٍ، والمتوقع منه كان كثيرًا، لكن العائد قليل، بل أقل مما يجب، وأن الملفات الخدمية الخمسة كانت كافية له كبرنامج يعمل عليه منذ اليوم الأول لدخوله القصر، لكنه انشغل بالسياسة، وما يقال عن التمكين، فأهمل الخدمات وهي الأهم للشعب. أنا شخصيًا غير ممتن من أداء الرئيس، ولا الحكومة، ولم أكن أرغب أن يدخل نفسه وبلاده في دهاليز خلافات سياسية قادت لانقسامات حادة وأنتجت صراعات وحروبًا مكشوفة، فهو بذلك قد منح الفرصة لقوى ثورية ومعارضة تلتف حولها الفلول وتدعمهم أطراف خارجية بهدف إسقاطه أو تعجيزه. يوم الثلاثاء 15 مايو الجاري أقامت الحكومة التركية احتفالًا بتسديد 412 مليون دولار، وهو آخر قسط من ديون تركيا لصندوق النقد الدولي التي كانت تبلغ أكثر من 23 مليار دولار يوم تسلمت السلطة في 2002، وقد نجح أردوغان خلال 11 عامًا في الحكم في الخلاص من الديون لذلك استحق الفوز لثلاث دورات متتالية وباكتساح، كما استحق التفاف الأتراك حوله. كنا نود أن نرى مرسي يسير على طريق أردوغان الذي ركز على الخدمات وليس الأفكار فحقق نجاحات هائلة، ونال دعمًا شعبيًا كاسحًا، ثم تفرغ بعد ذلك للعسكر وللدولة العميقة، فقام بالتطهير والتغيير كما يريد، وفي إطار المصلحة الوطنية، وليس الحزبية، والكل انصاع لأنهم يعلمون أن هناك عشرات الملايين تقف معه كتفًا بكتف، ولا يمكن للجيش، ولا الأجهزة المناوئة له أن تقاوم الشعب. مع ذلك فإن عشرة أشهر ليست كافية لإسقاط مرسي، ولا المطالبة بانتخابات مبكرة، والوقت مازال متاحًا لعلاج أخطاء الفترة الماضية، والرئيس رجل نظيف، ولديه رغبة في الإنجاز، ويصعب تصور أنه والجماعة يريدان ضرب شعبيتهم، وإسقاط أنفسهم، وإثارة غضب الجمهور عليهم، والتحول من الحكم إلى المعارضة، أو الخروج من المشهد، إلا إذا كانوا أغبياء، أو أعداء أنفسهم. كما أن المعارضة تنشر اليأس والإحباط لدى المصريين، ولا تقدم بديلًا للحكم يمكن الاقتناع به، والسير وراءه، ورغم أن كل الأسلحة الثقيلة معها، وعلى رأسها الإعلام، ورغم ضعف أداء الرئيس وحكومته إلا أن هناك استطلاعًا حديثًا يقول إن شعبيتها 33% فقط، وهي نتيجة مخجلة رغم الضجة التي تثيرها، ورغم الدعم الداخلي والخارجي. طريق "تمرد" الحقيقي أن تستعد لانتخابات البرلمان، فهذا أجدى لها وللوطن، والملايين ال 15 التي تسعى لنيل توقيعاتهم يمكن أن تقنعهم بالتصويت لها في الانتخابات، وستكون كفيلة بجعلها أكثرية، أو أغلبية، وبالتالي سيكون من حقها تشكيل الحكومة، وامتلاك السلطة. وأما "مؤيد"، فليس التأييد المطلق للرئيس في صالحه، بل عليهم أن ينقلوا للنظام حقيقة ما يدور في الشارع، فهناك تململ وسخط، وهناك فئات شعبية محبطة تعاني من أزمات قديمة وجديدة. وبالتالي فإن المسار الديمقراطي هو فقط الذي يمثل الخروج الآمن للوطن من الأزمة، والتزام الطرفين: السلطة والمعارضة بهذا المسار بكل نزاهة وشفافية هو بوابة الإنقاذ. [email protected]