مراجعة حوارات د. محمد حبيب مع عدد من الصحف التي أدلى بها عقب خروجه من مكتب الإرشاد ربما تعيد تصحيح الصورة التي خلفها الصخب الإعلامي الذي كان مصاحبا لانتخابات الإخوان الأخيرة. المعلومات المؤكدة عندي، أن د. حبيب كان سيعاقب تنظيميا بلا شك عاجلا أم آجلا، وخيرا فعلت الجماعة، عندما تجنبت التعسف في معاقبته، بعدما انحازت إلى الاحتكام للرأي العام الداخلي بشأنه عبر انتخاباتها التنظيمية، حيث عوقب بطريقة "شيك" لم يجد لها د. حبيب سبيلا لإدانتها إلا عبر النيل من لوائحها الداخلية، ولم يجرؤ أحد على التشكيك في نزاهتها، ومبلغ قولهم فيها أنها "صحيحة" ولكنها "موجهة"!. كان من الواضح أن مشكلة د. محمد حبيب لم تكن مع التيارات المحافظة في الجماعة، ولم تكن بشأن انتصاره ل"مدنية" الحركة، ضد القوى "القطبية" المنحازة إلى مبدأ "عسكرة" التنظيم.. مشكلة حبيب كانت مع فضيلة المرشد السابق الأستاذ مهدي عاكف، ونزعة الأول نحو استعجال ترسيمه مرشدا عاما للجماعة خلفا للثاني، بل إن حبيب أحال "الإخوان" في الصورة الانطباعية العامة، إلى تنظيم يشبه "الحزب الوطني" من حيث وجود قيادات ظل" أو "عرفية" موازية للسلطات الشرعية للحركة: فإذا كانت أمانة السياسات جعلت من جمال مبارك في الانطباع المصري العام ما يشبه "الرئيس العرفي" الموازي ل"الرئيس الشرعي" فإن حبيب كان يستن بمثل هذه السنة حين كان ينحو نحو تقديم نفسه وبمنطق ناعم في صورة "المرشد العرفي" الموازي ل"المرشد الشرعي".. إذ لم يكن ليمر على قيادات الجماعة وأجهزتها الرقابية الداخلية، حرص د. محمد حبيب على أن يصدر رسالة أسبوعية بالتوازي مع رسالة المرشد العام!.. فيما اتجه منذ سنوات إلى تأسيس جهاز إعلامي موازي للإعلام الرسمي الناطق باسم الجماعة، ينفق عليه من "خزينة" التنظيم!. لم تكن مشكلة النائب الأول السابق للمرشد العام، محصورة في جرأته على "اللعب مع الكبار".. بل إن حواراته الأخيرة، أظهرت أن الرجل كان من "صقور" الجماعة " وليس من "حمائمها" كما تصور المراقبون من خارجها.. فالرجل نعى على المرشد السابق ميله إلى "الحوار" مع النظام، وطالب بمحاكمته، ولعل الصورة قد تكون أكثر وضوحا إذا ربطنا هذا "الميل" لفضيلة الأستاذ مهدي عاكف وما أكده خلفه فضيلة الدكتور محمد بديع، الذي أعاد في خطاب ترسيمه تصحيح شكل العلاقة مع السلطات المصرية، وأنها ليست "صراعا" ولا "خصومة" وإنما "منافسة" سياسية على ولاء الرأي العام، وهو عمل مشروع وفق تقاليد الحداثة السياسية المعاصرة.. فيما انتقد د. محمد حبيب هذا المنطق، واعتبره "خيانة " لعذابات المئات من ضحايا المواجهات مع النظام داخل الزنازين والمعتقلات. ربما يكون كلام د. حبيب من قبيل "تنفيس" الغضب، من خسارته معركة الانتخابات على عضوية المكتب الممهدة لاعتلاء أعلى منصب سياسي بالجماعة، ولكنها في النهاية، تصريحات مهمة، ربما تعيد تصحيح المعلومات التي شكلت الوعي الجديد بشأن تكوينة قيادات الجماعة الجدد.. إذ يبدو أن الحركة استبعدت "ديمقراطيا" المتشددين وجعلت في صدارة مشهدها التنظيمي القيادات الأكثر اعتدالا وفهما للبيئة السياسية والأمنية التي يعملون من خلالها.. ولنترك للأيام المقبلة اختبار هذا الفرز الإخواني الداخلي: فالتجربة أصدق أنباء من أي ادعاء أيا كان مصدره. وللحديث بقية لاحقا إن شاء الله تعالى [email protected]