قال الملك شهريار: حدثينا يا شهرزاد.. عن السفلة والأوغاد.. يتطاولون على الأكابرو الأسياد.. من الحُكّام والأَعلام. قالت شهرزاد: يا مولاى الملك، إن هؤلاء يعملون بالزمبلك، لمن يكيد للإسلام فى العلن والخفاء، ويجزل لهم العطاء، فلا أدب عندهم ولا استحياء.. يحركهم أعداء الوطن والفلول.. بالريموت كونترول، فيدبّجون المقالات.. ليهاجموا القيادات، ويملأون الفضائيات، بالصياح والترّهات، ليعيدوا الزمن إلى الوراء، مستخدمين الألاعيب القانونية فى القضاء. قال شهريار: وما بال النسوة الخليعات.. يتقصعن فى الفضائيات؟ شهرزاد: إنهن كاسيات عاريات، يُدعَون إلى تلك القنوات، فيطلقون الضحكات الخليعة.. ويستخدمون لغة وضيعة.. فى سب النظام الحاكم والإسلاميين، ويتهكمون على أسيادهم من فقهاء الشريعة والدين.. يشاركهم فى ذلك المذيعات والمذيعون.. وهؤلاء من أضر الخلق على الأديان، فإنهم الأكثرون عدداً، الأقلون عند الله قدراً، وهم حطب كل فتنة، بهم توقد ويشب ضرامها، فإنها يعتزلها أولو الدين، إنهم سقط المتاع.. والهمج الرعاع.. قال شهريار: وما سقط المتاع؟ شهرزاد: السَقْط هو الشىء الحقير المُهمل الذى لا يُذكر ولا قيمة له، وما لا خير فيه من كلِّ شيء، وفى قاموس المعانى: هو كل لئيم وحقير، وأسْقاط النَّاس: أوباشهم وأسافلهم. قال الشاعر: وما للمرء خير فى حياة * إذا ما عُدّ من سقط المتاع قال شهريار: وما الهمج الرعاع؟ شهرزاد: قال الخليفة الراشد على بن أبى طالب رضى الله عنه: الناس ثلاثة عالم ربانى، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع غوغاء أتباع كل ناعق يميلون مع كل صائح لم يستضيئوا بنور العلم، لم يلجأوا إلى ركن وثيق. وقال الإمام العلامة ابن القيم، رحمه الله فى شرح هذا الأثر: فقوله رضى الله عنه "القلوب أوعية" يشبه القلب بالوعاء والإناء والوادي؛ لأنه وعاء للخير والشر. وقوله: الناس ثلاثة.. هذا تقسيم خاص للناس وهو الواقع.. فالأول: العالم الربانى ويدخل فيه من تكون نفسه متحركة فى طلب الكمال ساعية فى إدراكه . والثاني: هو المتعلم على سبيل النجاة . الثالث: وهو الهمج الرعاع . فالأول: هو الواصل، والثاني: هو الطالب، والثالث: هو المحروم . القسم الأول: العالم الربانى.. قال سعيد بن جبير: هو الفقيه العليم الحكيم.. ولا يوصف العالم بكونه ربانيًا حتى يكون عاملاً بعمله معلمًا له . والقسم الثاني: متعلم على سبيل نجاة؛ أي: قاصداً بعلمه النجاة، وهو المخلص فى تعلمه، المتعلم ما ينفعه، العامل بما علمه. فلا يكون المتعلم على سبيل نجاة إلا بهذه الأمور الثلاثة؛ فإنه إن تعلم ما يضره ولا ينفعه لم يكن على سبيل نجاة، وإن تعلم ما ينتفع به لا للنجاة؛ فكذلك، وإن تعلمه ولم يعمل به لم يحصل له النجاة، ولهذا وصفه بكونه على السبيل، أي: على الطريق التى تنجيه؛ أي: مفتش متطلع على سبيل نجاته، فهذا فى الدرجة الثانية وليس ممن تعلمه ليمارى به السفهاء أو يجارى به العلماء أو يصرف وجوه الناس إليه، فإن هذا من أهل النار كما جاء فى الحديث.. فهؤلاء ليس فيهم من هو على سبيل نجاة، بل على سبيل الهلكة نعوذ بالله من الخذلان . القسم الثالث: المحروم المعرض؛ فلا عالم، ولا متعلم، بل همج رعاع، والهمج من الناس حمقاؤهم وجهلتهم، وأصله من (الهمج)، جمع (همجة)، وهو ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والدواب وأعينها، فشبه همج الناس به، ومعناه سوء التدبير فى أمر المعيشة. وقوله: أتباع كل ناعق، أي: من صاح بهم ودعاهم تبعوه، سواء دعاهم إلى هدى أو إلى ضلال، فإنهم لا علم لهم بالذى يدعون إليه، أحقٌّ هو أم باطل؟ فهم مستجيبون لدعوته، وهؤلاء من أضر الخلق على الأديان، فإنهم الأكثرون عدداً، الأقلون عند الله قدراً، وهم حطب كل فتنة، بهم توقد ويشب ضرامها، فإنها يعتزلها أولو الدين، ويتولاها الهمج الرعاع . وسمى داعيهم ناعقاً تشبيهًا لهم بالأنعام التى ينعق بها الراعى فتذهب معه أين ذهب! وهذا الذى وصفهم به أمير المؤمنين هو من عدم علمهم وظلمة قلوبهم، فليس لهم نور ولا بصيرة يفرقون بها بين الحق والباطل، بل الكل عندهم سواء . وقوله رضى الله عنه: يميلون مع كل صائح، (وفى رواية : مع كل ريح) شبّه عقولهم الضعيفة بالغُصن الضعيف، وشبه الأهواء والآراء بالرياح، والغصن يميل مع الريح حيث مالت، وعقول هؤلاء تميل مع كل هوى وكلِّ داعٍ، ولو كانت عقولاً كاملة كانت كالشجرة الكبيرة التى لا تتلاعب بها الرياح . وقوله رضى الله عنه: لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق: بيّن السبب الذى جعلهم بتلك المثابة؛ وهو أنه لم يحصل لهم من العلم نور يفرقون به بين الحق والباطل .. وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.