ما من مرة ونحن نراقب ما يحدث على ساحتنا الإعلامية خاصة برامج (التوك شو)؛ وخاصة أوقات ما يمر بمصرنا من أحداث وأزمات وتداعيات ما بعد ثورة (25 يناير). وما تفعله فى بلبلة مشاعر العامة من آراء متضاربة، وأخبار متناقضة، وضيوف يجيدون فن الإسقاط؛ فيرون ويوصمون ويقيمون أى حدث أو أى شخصية بناءً على خلفية ترسخت فى عقلهم الباطن من تأثيرات تراكمية لتجارب ذاتية كونت خبرتهم أو الصور الذهنية التى لا تتغير عن الأحداث والأشخاص والأشياء!. كل ذلك يذكرنى بموقف مهيب ومؤثر ومتناقض؛ ورد ضمن أقسى الأحداث الدرامية فى تحفة (وليم شكسبير) الرائعة مسرحية (يوليوس قيصر). ففى موقفٍ رهيب؛ بعد مقتل الملك (يوليوس قيصر)؛ على يد مؤدبه (بروتس)؛ حيث ردد القيصر وهو يحتضر كلماته الشهيرة: (حتى أنت يا بروتس؛ إذن فليسقط القيصر). وأراد (أنطونيو) صديق القيصر والطامع فى الحكم من بعده أن يشعل حماس الجماهير الغاضبة ضد (بروتس)؛ فأخذ جثمان القيصر حتى ميدان السوق ليراه العامة، واتفق (أنطونيو) و(بروتس) على مخاطبة جماهير شعب روما الهائجة الغاضبة؛ على أن يبدأ (بروتس)!. وكان الموقف مهيباً؛ حيث كان لكل كلمة من الخطبتين ثقلها وقيمتها، واعتلى (بروتس) القاتل والمربى الحكيم المِنبر, واستأذن الجماهير الغاضبة فى كلمة يدفع بها عن نفسه تهمة القتل, وارتجل خطبته؛ التى ما أنهاها حتى صار الشعب اللاهج بلعنه مسبّحاً بحمده, معلنًا إيَّاه ملكاً وقيصراً جديداً!. فلم يرض (أنطونيو) العسكرى المخضرم؛ ما آلت إليه الأمور, وبطبيعة الحال لم يرضه ما ذهبت إليه جماهير روما؛ فاستأذن فى خطاب تأبين كانت المشاعر فيه هى سلاحه الأول حتى انتهى بالشعب إلى الغضب على القتلة وأولهم (بروتس)؛ وترك الجماهير حائرة تائهةً بين الخطابين, مشتَّتة بين حكمة ومنطقية (بروتس) وعاطفية (أنطونيو). سحرة الملك.. يطاردوننا: وعلى دربهما نتذكر (ساحر الملك) كما فى قصة (الغلام والراهب) التى رواها الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ فأكد سنة إلهية اجتماعية ثابتة؛ وهى أن لكل ملك ساحرًا!؟. ونتذكر تاريخنا المر مع سحرة الملك فى كل عصر ومع كل ملك؛ مثل (جوبلز) البوق الإعلامى للزعيم النازى (هتلر)، و(أحمد سعيد) بطل أكذوبة نكسة يونيه (1967)، و(الأستاذ) المنظر للحقبة الناصرية، وسلسلة تكملها دكاكين (التوك شو) لم تنتهِ حتى يومنا هذا. وعلى نيران أكاذيبها وضلالاتها تستوى الطبخات السياسية؛ فتوجه الجماهير من الشىء إلى نقيضه، ومن القناعة إلى الحيرة، ومن الغضب إلى الرضى؛ فى نفس اللحظات، وفى موقف واحد!. العامة هم وقود الأزمات: ومن أكثر الفئات تأثراً بهذه الحملات الإعلامية (الجوبلزية) هم طبقة العامة. وهى التى تكون الضلع الثالث للمثلث الاجتماعى؛ وهى: الأول: طبقة أو مجموعة المتنفذين الفاعلين، أو القادة وصنَّاع القرار. الثانى: التابعون الإيجابيون، المشاركون فى صنع القرار، والمستشارون للفئة الأولى. الثالث: العامة أو العوام؛ فئة المشاهدين والمفعول بهم. كما قال على رضى الله عنه: (الناس ثلاث؛ عالمٌ ربانى، ومتعلم يبغى النجاة، وهمجٌ رعاع يتبعون كل ناعق)!؟. القواعد الذهبية لمواجهة الجوبلزية: فلما وجدت خطر هذه الهجمة الإعلامية الممنهجة، وتحاول تحويل ثورتنا إلى جثة هامدة تنهشها ذئاب المخلوع. وأول العلامات الحمراء كانت محاولة عودة فلول المخلوع وعلى رأسهم الذئب العجوز (نائب المخلوع) وهو يتقدم بأوراق الترشح لافتراس ثورتنا وحوله تشريفة كريهة مستفزة من الحرس الجمهورى وبحراسة قائد الشرطة العسكرية؛ وكأنها رسالة تخويف؛ أن الخطر قادم من تزوير الصندوق!. لذا أحببت أن أشارك ببعض المهارات للتعامل مع هذه الحملات (الجوبلزية): القاعدة الأولى: احذر الإشاعة ووثق أخبارك. فلا تستمع إلا لمصدرك الموثق. ولا تنساق وراء أخبار من غير مصدر التلقى الموثق. وانظر فى مصدر الخبر سواء كان شخصاً أم هيئة واحكم عليه قبل أن تسمع منه. وهذا لا ينفى قاعدة (صدقك وهو كذوب) أو (الحكمة ضالة المؤمن). ولكن نؤكد هذه القاعدة فى أوقات الشدائد. وتدبر دوماً: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ". [النساء83] وسنواصل البقية بعونه تعالى. E-Mail: [email protected]