على مدار شهر ونصف الشهر والصديق الإعلامي الكبير الأستاذ خالد عبد الله يقطع في فروة العبد لله كل ليلة في برنامجه، ويستعرض مقالاته ويتهمه بالتناقض ويبدي استغرابه الشديد من تحولات جمال سلطان، ويعد مشاهديه في كل مرة بأنه لا بد أن يأتي جمال سلطان ويوضح لنا هذا التناقض أو هذا التحول وأسبابه، وينتظر المشاهدون وينتظر جمال سلطان أن يتصل به الإعلامي الكبير كما وعد، إلا أن شيئًا ما يمنعه من ذلك، على غير عادته، وعلى الأقل كان أضعف الإيمان أن يتصل هاتفيًا بجمال سلطان ويسأله في مداخلة عن هذا "التناقض" ويطلب منه تفسيرًا كما كان يفعل دائمًا، لأن تلك أبسط قواعد المهنية، وكنت أرسلت له عبر الموبايل رسالة أقول له فيها: هل ضاع منك هاتف جمال؟! والحقيقة أني أعذر أخي خالد كما أعذر كثيرين ممن يفزعون من النقد الموجه للدكتور محمد مرسي وتجربة الإخوان في الحكم الآن، لأني أنا نفسي كان يتملكني نفس الشعور قبل عدة أشهر، وكنت قلبًا وقالبًا مع مرسي وأخاف عليه حتى من النسيم السياسي وليس النقد فقط، قبل أن تتبدى عدة مواقف وقرارات منه ومن جماعته أكدت لي أن المسار الذي يتجه إليه الوطن خطير جدًا، وأننا أمام تنظيم لا يؤسس لدولة ديمقراطية أو تداول سلمي للسلطة، وإنما للهيمنة والسيطرة المطلقة على مقاليد البلاد لتأسيس ديكتاتورية جديدة تتمسح في الإسلام والحركة الإسلامية، فقررت أن أواجه هذا الخطر، وأن لا أخون وطني وديني والثورة بالمشاركة في هذا المخطط المروع، واثقًا أني لا أشارك فقط في حماية حق كل مواطن في وطنه وشراكته السياسية وأمنه وأمانه بقطع النظر عن كونه مواليًا أو معارضًا، وإنما أشارك في حماية الإخوان أنفسهم من أنفسهم، لأنهم في النهاية سيأكلون بعضهم بعضًا بعد أن يأكلوا أي معارضة قوية وحية، فتلك طبيعة السلطة الاستبدادية ومنافساتها، وسيدخل بعضهم بعضًا السجون أو يشردونهم في المنافي، والتجارب من حولنا شاهدة، فالثورة قامت لتأسيس نظام سياسي جديد يقوم على التعددية الحقيقية والتداول السلمي للسلطة وترسيخ دولة القانون والفصل بين السلطات والشفافية في إدارة شؤون الدولة، وهذا كله مع الأسف ما لا يوجد أي دليل عليه طوال الفترة السابقة، بل كل الخطوات تقريبًا تفضي إلى عكسه تمامًا. يأخذ على أخي خالد أنني كنت أؤيد مرسي والآن أعارضه، وتلك طبيعة الموقف السياسي للمواطن أو الحزب، فأنت تعطي صوتك لهذا المرشح اليوم ثم تسقطه بعد ذلك، لأنه لم يكن وفيًا لالتزاماته السياسية، والغريب أن يستنكر عليك أحد ذلك، وكأنه ختم على جبينك أنك من أنصار محمد مرسي إلى يوم الدين، سواء أحسن أو أساء، واستطلاعات الرأي التي اخترعوها في المجال السياسي تكشف عن أن تأييد هذا الرئيس أو الحكومة يزيد أو ينقص دون أن يسأل أحد عن أسرار تحول قناعات الناس وهل شربوا شايًا بالياسمين من أجل أن يتراجعوا ويؤيدوا من كانوا يختلفون معهم من قبل، وأخي خالد نفسه كانت له آراء وآلام من أشخاص بعينهم وبكى منهم بدمع العين ووصفهم ووصفوه بما لا أحب ذكره، ثم بدا له بعد ذلك أنهم أفاضل الناس وأكفاء وأنهم أخلص أصدقائه ومعاونيه، فقناعات الناس بالمواقف والأشخاص ليست حتمًا مقضيًا، وإنما تتغير حسب تغيرات الناس وتحولاتهم وما يستجد من معلومات وخبرات تجعلك أحيانًا تغير رأيك في شخص أو حزب أو سياسات بعينها، وما حكاه عني من نقد لمواقف بعض القضاة تجاه السلطة وأني تراجعت عنه وأصبحت أدافع عن القضاء، ما زلت متمسكًا بنقدي وما زلت عند قناعتي به، فقد أخطأ المستشار الزند في تسييس نادي القضاة والإشارات التي صدرت منه فيها تحيز للنظام السابق، وأخطأت المستشارة تهاني الجبالي عندما تحركت بدافع أيديولوجي رغم أنها قاضية في محكمة رفيعة، وموقفي من المستشار عبد المجيد محمود ما زال كما هو، فهو جزء من النظام القديم ولن يقبل ثوري مصري عودته إلى منصب النائب العام، كل هذا لم يتغير عندي، وإن كنت أخطأت في تقدير الموقف من بعض الرموز القضائية مثل النقد القاسي للسيد المستشار مصطفى خاطر المحامي العام لنيابات شرق، والآن أعترف بأنه كان محقًا في موقفه وأنني مدين له بالاعتذار، وفي المحصلة فالقضاء ليس هو عبد المجيد والزند وتهاني، وإنما اثنا عشر ألف قاضٍ، كما أن الغارة التي شنها الإخوان على القضاء بدعوى تطهيره، كما لو كانوا اكتشفوا ذلك فجأة، كانت مؤامرة حقيقية لإعادة هيكلة القضاء ووضعه تحت السيطرة لإحكام قبضة الجماعة على سلطات الدولة الثلاث، وحكاية التطهير مجرد ستار كاذب وقنبلة دخان لتمرير المؤامرة، وبفضل الله، ثم بتضامن المخلصين في هذا الوطن تمت هزيمة المؤامرة وكسر الغارة، ولو مرحليًا، وأدرك الرئيس مرسي أنهم ورطوه وفضحوه فسارع لمحاولة تصحيح المسار بالدعوة لمؤتمر للعدالة ودافع دفاعًا مجيدًا عن القضاء ووصفه بالوطني والشامخ وأنه جزء من الثورة، ولم يسأله أخي خالد عن تغير رأيه، وإنما سألني أنا. الحديث يطول في الإجابة عن تساؤلات أخي خالد عبد الله، وقد اضطررت لبعضها هنا، حتى يتمكن من الوصول إلى رقم هاتفي، وأنا لست حانقًا عليه الآن، علم الله، لأني أدرك أنه يصدر عن إيمان بموقفه ورغبة صادقة ولو أخطأت في الإصلاح، ولكني أدعوه إلى أن يخفف عنف نقده لإعلاميين ورجال أعمال الفلول وجبهات الخراب الآن، لأنه سيصدم قريبًا بما يحرجه ويشيب له شعر رأسه، وسيصعب عليه الدفاع عن التحولات الجديدة حينها. [email protected]