يبدو أن السويسريين يصرون على أن ينتزعوا لقب "بلد العجائب" من ليبيا القذافي ، فبعد الاستفتاء المثير للدهشة الذي دعي إليه الشعب السويسري قبل أشهر من أجل التصويت على جواز بناء مآذن للمساجد هناك أم لا ، نقلت لنا التقارير أمس أن السويسريين سوف يذهبون على الأرجح إلى صناديق الاقتراع قريبا من أجل التصويت في استفتاء عام على حق الكلاب والحيوانات الأخرى في توكيل محامين عنهم للدفاع عن حقوقهم وقضاياهم في المحاكم ، ولم يوضح الخبر الذي بثته السي إن إن الكيفية التي يتم بها التوقيع على التوكيلات وتوثيقها معتبرة أنها إجراءات يأتي تفيصلها بعد ظهور نتيجة الاستفتاء ، عالم فاضية صحيح !!، المهم أن الاستفتاء الأول العجيب الغريب ، استفتاء المآذن يبدو أنه قد يأتي بنتائج عكسية في المجتمع السويسري الذي بدأ يسمع بكثرة عن الإسلام وتفاصيله كما فوجئ الرأي العام هناك هذا الشهر بأن شخصية مرموقة من أعضاء حزب الشعب الذي تبنى الحملة ضد المآذن وأجبر الحكومة على إجراء الاستفتاء المشؤوم قد أعلن إسلامه على الملأ وبدأ يواظب على الذهاب إلى المساجد والصلاة فيها وقراءة القرآن ويدافع بكل جرأة عن دينه الجديد ، وهو ما أثار حفيظة آخرين في الحزب بدأوا على ما يبدو يدشنون حملة للتشهير به ومضايقته حتى في عمله ، والقصة تقول أن "دانيال سترايش" وهو مدرب عسكري وناشط سياسي من حزب الشعب في مدينة "بال" وهي المدينة ذاتها التي انطلقت منها دعوة هيرتزل لإنشاء إسرائيل قبل أكثر من مائة عام كان مقتنعا بالإسلام إلا أنه لم يعلن ذلك ، حتى حدث الاستفتاء على المآذن وما صاحبه من حملات ضد الإسلام ، وأن هذا استفزه وجعله يعلن إسلامه وقناعاته ويواجه بها الرأي العام في بلاده ، يقول دانيال "" لقد أجابني الإسلام على التساؤلات التي طالما شغلت بها طوال حياتي والتي لم أجد لها إجابات مطلقا في المسيحية " وقدم الرجل استقالته من حزب الشعب ويشارك الآن في تأسيس الحزب الديمقراطي المدني المحافظ في كانتون فريبورغ ، وقد بدأت قيادات في حزب الشعب تسريب حملة ضد "دانيال" وتحرض عليه السلطات الأمنية وجهات العمل ، وقال "الفريد هييل" وهو مفكر سياسي وعضو المجلس الوطني لحزب الشعب إن اعتناق سترايش للإسلام في الوقت الذي كان فيه عضوا بارزا في القوات المسلحة يؤدي الى تفكير بعض السياسيين بأن هذا الأمر قد يكون خطرا على الأمن القومي ، في إشارة تحريضية ضده وضد أي سويسري يتحول إلى الإسلام بتهديده بفصله من عمله بطريقة أو أخرى أو تضييق الفرص أمامه ، وقد رد عليه كريستوفر برنار المتحدث العسكري بلغة محايدة بشأن الانتماءات الدينية واصفا كلامه ب "الاتهام السخيف" وأضاف : "لا تعنينا الاتجاهات الدينية التي ينتمي إليها إفراد قواتنا فما يهمنا هو الأداء العسكري وليس الاعتقاد" ، واقعة إسلام "دانيال سترايش" تجعلنا نستحضر دلالة الآية القرآنية الكريمة "وعسى أن تكرهوا شيئا هو خير لكم" ، وأنا أحترم أصوات الغضب والاحتجاج التي انتشرت في العالم الإسلامي في أعقاب الاستفتاء السويسري ، لأنها تملك الحق الذي وافقها عليه حتى الفاتيكان وقادة أوربيون كبار ، ولكني أتمنى أن تكون هناك جهود أكبر لفهم طبيعة المجتمع السويسري ، والغربي بشكل عام ، وأن تكون هناك جسور من المعرفة والفهم المتبادل عن قرب وليس عن تراشق بعيد ، وأن نستفيد من "المشترك الإنساني" العام في توسيع جسور التواصل الإنساني والروحي مع تلك المجتمعات ، لأن الإسلام في جوهر رسالته "رحمة للعالمين" ، فالأوفق أن يسبق وعي "الرحمة" وعي الغضب أو يصاحبه على الأقل ، وينبغي أن يكون إطار "الرحمة" هو ماء حياة الخطاب الإسلامي الجديد . [email protected]