على بعد أمتار من ميدان التحرير وأحداثه، التى تنهش يوميا فى الأخوة والالتحام بين الشعب المصرى، توجد قهوة السودانيين ببساطتها والتشابه بين أفرادها فى عادتهم وتقاليدهم والوجوه البشوشه الهادئة. مدخل ضيق يتسع فى النصف ثم يضيق مرة أخرى، فى آخر شارع عبد الخالق ثروت تختلف الوجوه وتتبدل بين وجوه مصرية إلى وجوه سودانية، فى قهوة السودانيين ومطعمهم، كراسى متناثرة ووجوه بسيطة وطيبة، بعض منهم يرتدى ملابس السودان المميزة وبعضهم يرتدون ملابس مصرية عادية ولكن شيئا مشتركا بينهم، حب وطن جمعه النيل العظيم وقسمته الأطماع السياسية. يختلف الشعب السودانى عن شعوب العالم، فله تقاليد وعادات وترابط، هو انعكاس لتربيتهم وثقافتهم، يروي عنهم البعض أن أكثر عيوبهم أنهم يعتمدون بشكل كبير على المعونة ولا يحبون العمل، فيجلسون طوال اليوم على القهوة، وقلة منهم يعملون بالتجارة، والغريب أنهم لا يستوردون تجارتهم من الصين، ولكن يشترون المنتجات الصينية من مصر لبيعها فى السودان. لقاءات حية المكان هنا هو تجمع لمعظم السودانيين فى مصر، فالسودانى يأتى ليشرب الشاى والقهوة السودانى، كما أننا نقدم الأكل السودانى، هكذا تقول لبنى إحدى السودانيات بالمقهى وهى تحضر لكوب شاى جديد لأحد الزبائن. وتضيف: معظم السودانيين هنا متعلمون ومعهم لغات إنجليزية وفرنسية وغيرها، والسودانيون مترابطون فى كل العالم، وحتى المعيشة هنا نكون مع بعض. وعن الثورة وحكم مبارك ومرسى تقول لبنى: قبل الثورة لم يكن هناك بلطجية ولا نهب ولا خوف، ولكن الآن الحياة مختلفة، وبرغم أن مرسى نزل السودان ومبارك لا، ولكن مبارك كان أحسن لأن الحياة رخيصة، الآن فيه نساء تقوم بالشحاتة وأيضا الأطفال، فالمصريون ضاق بهم الحال. جاء من آخر "الزقاق" رجل ذو بشرة مصرية، نادته لبنى لكى يحكى عن السودانيين فى القهوة، فقال: أنا وجدى صاحب المطعم السودانى هنا وينادوننى "بالخواجة"، لأن كان عندى محل ذهب زمان قبل المطعم، ولكن قفلته لأن عمليات النصب كتير. واستكمل الخواجة كلامه، وهو ينظر إلى مطعمه، ويقول: المطعم هنا بيعمل باللحمة السودانى، فيه تاجر سودانى مخصوص يأتى باللحمة من السودان لأن السودانى لا يأكل إلا اللحمة الطازة السودانية، ومن أشهر الأكلات: التقلية بالويكة، والتقلية بالعصيدة، والتقلية بالكسرة "عيش ذرة"، وقاطعت لبنى الخواجة قائلة: بنحب الخضرة بالعيش والفتة، ولكن لا نأكل الأرانب مثلكم يا مصريين. أما نادر، 45 سنة، صاحب أول فاترينة عطارة، منذ 7 سنوات، فى منتصف شارع القهوة، فمنتجاته كلها سودانية ويتميز بملابسه السودانية الشهيرة، وهو يتخذها كنوع من الدعاية لمنتجاته، يقول نادر: منتجاتى تأتى من السودان بالباخرة عن طريق وادى حلفا، وتتألف العطور عندى من العطور الفرنسية الشهيرة وإحنا السودانيين بنحب الروائح الذكية، وأيضا نستخدم العطارة فى جميع الأكلات، وعندى أيضا السجائر السودانى "برنجى"، وهى علبة بها 10 سجائر فقط ب8 جنيهات المصرى لا يشتريها ولكن السودانى عارفها ولا يشرب غيرها، فالمصرى قبل الشراء ينظر إلى الثمن دون الجودة، ولكن السودانى يدفع لأنه عارف جودتها، وعندى لعلاج الضغط المرتفع والسكر "هجليج"، وهو نوع من أنواع البلح فى أكبر منطقة بترول فى السودان، ومشهور باسم "لالوب"، وأضاف نادر: "أنا باشتغل على البنى آدم السودانى فى العلاج، ولكن قبل الثورة كانت أيام عسل وبعد الثورة أصبحت بصل". وعن الثورة وآثارها على السودانيين فى مصر، قال نادر: للأسف المصريون لا يعرفون فى السياسة، لأننا قلنا معكم عيش - حرية - كرامة إنسانية، ولكن المصريين قالوا ارحل، ونحن ضد الرحيل لأننا نعرف حكم الإخوان، ونعرف مدى حبهم لمصلحتهم فقط وانتمائهم لجماعتهم ونحن نعانى فى السودان منهم لأنهم يتعاملون بالكرباج، وعندكم صحفى مصرى اسمه الحسينى أبو ضيف كان يأتى إلى هنا ووقف كتير معى وأنا ذهبت لتأبينه فى نقابة الصحفيين. وأشار بيديه إلى السودانيين، وقال: هذا المكان هو أكبر تجمع سودانى فى القاهرة ونحن هنا نعيش إخوة، لا تفرقة بين الجنوبى والشمالى، لأن العادات والتقاليد واحدة.