قلت في مقال سابق (كونوا رسل خير بين الشيخين) إن طالب العلم يجد متعة وحلاوة وطلاوة، حينما يجلس بين شيخين عالمين، حتى وإن لم يكن هناك اتفاق في كل شيء، إلا أنك تجد حبًا وأدبًا وعلمًا، ونقاشا في مسائل خلافية بموضوعية وهدوء واحترام وتقدير، وهذا ما شاهدته كثيرًا في جلسات جمعت علماء حتى وإن كانوا من مدارس مختلفة. العجيب أننا نشهد هذه الأيام اختلافًا وإنكارًا في بعض المسائل على الهواء مباشرة، أمام من يدري ومن لا يدري، وتظهر الشدة والشخصنة في العرض، وتصبح فرصة للفيسبوكيين والفارغين أن يظهروا في المشهد، وأن يدلوا بدلوهم بصورة مسيئة، وهنا يأتي السؤال لماذا يحدث هذا؟ هل بسبب الأتباع المتعصبين؟ أم بسبب الهوى؟ أم للتحريش الذي يقوم به الشيطان؟ أم لإعجاب كل ذي رأي برأيه؟ أم لمرض في القلوب؟ أم لحاجة في نفس يعقوب...؟ لكني سأنتقل من الإجابة عن أشياء قد تكون قلبية ولا قبل لنا بها إلى لقاء جميل، جمع بين الشيخ يوسف القرضاوي بمنزله بالدوحة والشيخ أحمد حطيبة، رحب فيه الشيخ القرضاوي وبش، خاصة حينما علم أن الشيخ حطيبة يجمع بين علم الطب وعلم الشريعة، ويمارس الاثنين معًا. وضرب فضيلته المثل بمن جمع بين علمي الدنيا والدين من السابقين، وتحدث عن أبي القاسم الزهراوي، طبيب الأندلس، الذي قال عنه الحميدي : (من أهل الفضل و الدين و العلم) والزهراوي هو مؤسس علم الجراحة، وأول من صنع أقراص الدواء، وهو أول مبتكر لعملية القسطرة وأدواتها، وابتكر آلة لمعالجة انسداد فتحة البول عند المواليد، وأول من أجرى عملية شق القصبة الهوائية، وأول من أوقف نزيف الدم أثناء العمليات بربط الشرايين الكبيرة، وأول من خاط الجراح من الداخل حتى لا تترك أثرًا على الجلد، وبلغ عدد مبتكراته من الآلات الطبية ثمانية ومئة، وكانت له محاولة في اختراع الطباعة. وتحدث أيضًا الشيخ القرضاوي عن ابن رشد الذي برع في الفقه، وأخذ الطب، وأقبل على علوم الأوائل، حتى صار يضرب به المثل في ذلك، وقيل عنه لم ينشأ بالأندلس مثله كمالًا وعلمًا وفضلًا، وكان متواضعًا منخفض الجناح، وكان يفزع إلى فتياه في الطب، كما يفزع إلى فتياه في الفقه. كما تحدث الشيخ - حفظه الله- عن فخر الدين الرازي، وهو إمام مفسر شافعي،عالم موسوعي، امتدت بحوثه ودراساته ومؤلفاته من العلوم الإنسانية اللغوية والعقلية إلى العلوم البحتة في الفيزياء، الرياضيات، الطب، الفلك. وأشار الشيخ القرضاوي إلى ابن النفيس، العالم الموسوعي والطبيب العربي المسلم، صاحب الإسهامات الكثيرة في الطب، ويعد مكتشف الدورة الدموية الصغرى، وأحد رواد علم وظائف الأعضاء في الإنسان، حيث وضع نظريات يعتمد عليها العلماء إلى الآن، وظل الغرب يعتمدون على نظريته حول الدورة الدموية، حتى اكتشف ويليام هارفي الدورة الدموية الكبرى. وسألت الشيخ عن فتح باب السياحة للإيرانيين، وأين يقف الشيخ مع المؤيدين؟ أم مع المعارضين؟ فقال الشيخ إنه كان قديمًا من دعاة التقريب، وظل لسنوات في هذه المسيرة يحضر مؤتمرات التقريب في الرباط، وسوريا، والبحرين، و قطر، وأنه زار إيران. وقال الشيخ إنه ظل سنين على هذا ولكنه في الحقيقة وجد أن الذين يستفيدون من عملية التقريب هم الشيعة أما أهل السنة فلا يستفيدون منها شيئًا وقال إنه يعارض مجيء السياح الإيرانيين إلى مصر وأنه يخشى من قيامهم بالدعوة إلى التشيع وأكد الشيخ على أنه نصح الإخوان بذلك وبين لهم ذلك بوضوح. وهنا أجدني مندهشًا متعجبًا من كاتب أو شيخ أو مثقف ( من المؤيدين ) ألا يستفيدوا من الشيخ القرضاوي صاحب العلم والتجربة والخبرة ؟ ولماذا يقيمون حربًا مع أي معارض ويتركون الشيخ القرضاوي؟ وأعوذ بالله أن يكون قصدي الدعوة لإدخال الشيخ القرضاوي في المعركة ولكني قصدت أن يستفيد من يشاء من المحبين للشيخ القرضاوي فلو أرادوا أن يسألوا أهل الذكر أو يسألوا خبيرًا أو يسألوا مجربًا في قضية التقريب مع الشيعة وسياحتهم في بلاد المسلمين فعليهم بالشيخ القرضاوي حفظه الله وسدده.