قال المؤرخون إن «ما كتبه أبوالقاسم الزهراوى فى التوليد والجراحة النسائية يعتبر كنزا ثمينا فى علم الطب».. والزهراوى عالِم وطبيب مسلم، ولد فى الزهراء بالأندلس عام 324ه وتوفى عام 404 ه، ويعتبر أشهر جراح مسلم فى العصور الوسطى، واشتهر بتدينه حيث كان يخصص نصف نهاره لمعالجة المرضى مجانا. لقب ب«جراح العرب الأعظم» فلقد ترك موسوعة طبية ضخمة سماها (التصريف لمن عجز عن التأليف)، وهى من أعظم مؤلفات العرب الطبية، ووصفها البعض بأنها دائرة معارف، كما اعتبرها آخرون ملحمة كاملة، هكذا قال الدكتور مجدى يوسف، رئيس قسم الفلك بكلية العلوم جامعة القاهرة عن الزهراوى.
وحول الكتاب يقول يوسف إنه «يتألف من 30 مقالة، كل مقالة تبحث فى فرع من فروع الطب، وخصص المقالة الثلاثين لفن الجراحة، أو صناعة اليد كما كان يطلق عليها فى ذلك العصر، ويحتوى الكتاب على صور للمئات من الآلات الجراحية أغلبها من ابتكار الزهراوى نفسه».
وأضاف: «كانت كل أداة جراحية اخترعها مرفقة بإيضاحات مكتوبة عن طريقة استعمالها، كان يملك نحو مائتى أداة، منها الدقيق ومنها الكبير كالمنشار وغيره، ما مكنه من إجراء عمليات جراحية فى العين وغيرها من أعضاء الجسم، كان يُخرج الأجنَّة الميتة من الأرحام بواسطة المنشار».
واستطرد: كانت هناك أداة تسمى ب«أداة الكى» للقضاء على الأنسجة التالفة بواسطة الكى، ونظرا لعدم وجود كهرباء فى ذلك الوقت كان يستخدم السخَّان، فيعمد إلى تحمية قطعة معدنية ويضعها على المنطقة المصابة فتؤدى إلى تجمُّد الأنسجة وتوقف النزف، كما كان بالإمكان أيضا إيقاف نزف الشعيرات الدموية الصغيرة.
وأضاف يوسف أن «الزهراوى أول من شرح مرض نزيف الدم المسمى هيموفيليا، وأوضح كيفية انتقاله وراثيا، كما أن له كتب عديدة عن التوليد والجراحة النسائية، ويعد أول من استعمل آلات خاصة لتوسيع عنق الرحم، وأول من ابتكر آلة خاصة للفحص النسائى لا تزال إلى يومنا هذا».
ويعتبر الزهراوى أول من أدخل القطن فى الاستعمال الطبى وأول من استعمل خيوط الحمشة (CAT GUT) التى تستعمل حاليا فى العمليات الجراحية والتى تمتاز بامتصاص الجسم لها، والتى لها أهمية فائقة خصوصا فى الجراحات الداخلية، وقد استخرج هذه الخيوط من أمعاء بعض الحيوانات (القطط والكلاب) واستخدمها فى جروح المعدة والأمعاء، «وبعد مرور ألف عام لايزال الطب الحديث يستخدم نفس الأسس لتصنيع هذا النوع من الخيوط»، بحسب يوسف.
وكان الزهراوى أول من استعمل الخياطة التجميلية تحت الجلد، وأول من استعمل الخياطة بإبرتين وخيط واحد، وفى علم المسالك البولية كان أول من ابتكر القسطرة البولية واستعملها لتصريف البول.
يوضح يوسف أن «أوروبا فى هذا الوقت كانت تخضع لقرارات الكنيسة التى تحرم تدريس الجراحة فى مدارس الطب، وتصف الأطباء الذين يمارسونها بأنهم غير شرفاء، ولهذا أجمع العديد من المؤخرين الأوروبيين بأن العرب وحدهم وعلى رأسهم الزهراوى كان لهم الفضل الأول فى تطور الجراحة، وترجمت الكثير من مؤلفات الزهراوى إلى كثير من لغات العالم، واعتمدت على كتبه كل المدارس الطبية».
وتخليدا له وضعت كاتدرائية ميلانو الشهيرة صورته الملونة داخلها، ويحمل شارع مهم فى مدينة قرطبة الإسبانية، اسمه، وكذلك أطلق اسمه على كثير من المستشفيات والمدارس والشوارع والساحات فى الدول العربية والإسلامية.