مدبولي: 12 جامعة أهلية جديدة تدخل الخدمة قريباً    مدبولي: الاقتصاد المصري يتجه نحو التحسن رغم التحديات    برلمانيون: سياسة مصر الخارجية القوية أحد أعمدة الجمهورية الجديدة | تقرير    التعادل يحسم الشوط الأول من مباراة الجونة أمام مودرن بالدوري    تقرير: دي ليخت يقترب من الغياب أمام أتليتك بلباو    الأرصاد: غدًا طقس حار نهارًا معتدل ليلًا على أغلب الأنحاء    محافظ القليوبية يُسلِم ملابس الإحرام لحجاج الجمعيات الأهلية    أبطال «نجوم الساحل» يكشفون كواليس العمل مع منى الشاذلي..غدا    ميرتس وماكرون يدعوان الهند وباكستان إلى التهدئة    «ضربوه لأن رجله بتوجعه ومقدرش يجري».. القبض على والدَي تلميذ اعتديا على زميل ابنهما داخل ملعب المرج    رسميا.. اعتماد جداول امتحانات النقل والشهادة الإعدادية للفصل الدراسي الثاني 2025 ببني سويف    آيساب روكي يكشف سبب حمل ريهانا المتكرر    محافظ أسوان ينيب السكرتير العام لحضور ختام فعاليات مهرجان أفلام المرأة    إنقاذ حياة طفل.. فريق جراحى بأورام المنوفية ينجح فى إجراء عملية استئصال ورم ضخم    رأس المال السوقي يخسر 25 مليار جنيه.. مؤشرات البورصة تهبط بختام جلسة اليوم    رئيس مسار بعد التتويج بدوري السيدات: هدفنا المساهمة في تطوير كرة القدم المصرية    جوندوجان يحلم بأن يكون مساعدًا ل "الفيلسوف"    بالصور.. ملك أحمد زاهر تتألق في أحدث ظهور لها    ضبط 3507 قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    عدوان الاحتلال الإسرائيلي على طولكرم ومخيميها يدخل يومه 101    "الشباب في قلب المشهد السياسي".. ندوة تثقيفية بالهيئة الوطنية للانتخابات | صور    بينها «أخبار اليوم» .. تكريم رموز الصحافة والإعلام في عيد العمال    "التعليم" تعلن إطلاق مسابقة للمواهب في مدارس التعليم الفني    5 أبراج تُعرف بالكسل وتفضّل الراحة في الصيف.. هل أنت منهم؟    خلافات مالية تشعل مشاجرة بين مجموعة من الأشخاص بالوراق    الهلال الأحمر المصري يشارك في النسخة الرابعة من منتدى «اسمع واتكلم»    جوتي ساخرًا من برشلونة: أبتلعوا الأهداف مثل كل عام    البابا تواضروس يستقبل وكيل أبروشية الأرثوذكس الرومانيين في صربيا    محافظ الدقهلية يلتقي المزارعين بحقول القمح ويؤكد توفير كل أوجه الدعم للفلاحين    تعرف على وضع صلاح بين منافسيه في الدوري الإنجليزي بعد 35 جولة    عمر طلعت مصطفى: العمل الاحترافي يجذب 400 ألف سائح جولف لمصر سنويًا    وزير البترول: التوسع الخارجي لشركة "صان مصر"على رأس الأولويات خلال الفترة المقبلة    أوبرا الإسكندرية تقيم حفل ختام العام الدراسي لطلبة ستوديو الباليه آنا بافلوفا    كندة علوش: دوري في «إخواتي» مغامرة من المخرج    قطاع الفنون التشكيلية يعلن أسماء المشاركين في المعرض العام في دورته 45    ب12 هاتفًا.. عصابة تخترق حساب سيدة من ذوي الاحتياجات وتنهب أموالها    إطلاق صندوق لتحسين الخدمة في الصحة النفسية وعلاج الإدمان    حزنا على زواج عمتها.. طالبة تنهي حياتها شنقا في قنا    المراجعات النهائية للشهادة الإعدادية بشمال سيناء    وظيفة قيادية شاغرة في مصلحة الجمارك المصرية.. تعرف على شروط التقديم    سحب 49 عينة سولار وبنزين من محطات الوقود بالإسكندرية لتحليلها    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    وزارة الأوقاف تعلن أسماء المقبولين لدخول التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    آخر تطورات مفاوضات الأهلي مع ربيعة حول التجديد    فيديو.. خالد أبو بكر للحكومة: مفيش فسخ لعقود الإيجار القديم.. بتقلقوا الناس ليه؟!    مدبولي يُكلف الوزراء المعنيين بتنفيذ توجيهات الرئيس خلال احتفالية عيد العمال    وكالة الأنباء الفلسطينية: ارتفاع حصيلة القصف الإسرائيلي لمدرستين في مخيم البريج ومدينة غزة إلى 49 قتيلا    هل انكشاف أسفل الظهر وجزء من العورة يبطل الصلاة؟.. الإفتاء توضح    «مستقبل التربية واعداد المعلم» في مؤتمر بجامعة جنوب الوادي    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    زيادة قدرتها الاستيعابية.. رئيس "صرف الإسكندرية يتفقد محطة العامرية- صور    بتكلفه 85 مليون جنيه.. افتتاح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي بقنا    عضو مجلس الزمالك: كل الاحتمالات واردة في ملف زيزو    أسامة ربيع: توفير الإمكانيات لتجهيز مقرات «الرعاية الصحية» بمواقع قناة السويس    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    ما حكم إخراج المزكى زكاته على مَن ينفق عليهم؟.. دار الإفتاء تجيب    الأزهر يصدر دليلًا إرشاديًا حول الأضحية.. 16 معلومة شرعية لا غنى عنها في عيد الأضحى    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المترفون هم المفسدون [4]
نشر في المصريون يوم 17 - 01 - 2010

(1)المشهد فى بريطانيا: خلال فترة الحرب النابليونية إشتدت الهجمة على الإصلاحيين وكثرت القيود والإجراءات القمعية بدعوى (أن الأمة تحتاج إلى توحيد الصفوف خلف جيشها لهزيمة نابليون)، وعندما انتهت حرب نابليون إعتقد الناس أن حجة الحكومة قد انتهت بعد هزيمة فرنسا وعودة السلام إلى انجلترا .. ولكن مع السلام جاءت أزمات اقتصادية أشد وانتشر الجوع والفقر في أنحاء البلاد .. وهنا تهبّ السلطات متذرعة بحجة جديدة فتخفّض أجور العمال لمواجهة الأزمة الاقتصادية [ لاحظ أن علاج الأزمات الأقتصادية فى الدول المستبدة التى يحكمها المترفون دائما يكون على حساب جماهير الشعب الكادحة] .. و لكن كان رد الفعل من الشعب الذي استيقظ : إضطرابات واحتجاجات انطلقت في طول البلاد وعرضها اعتراضاً على تقليص الأجور .. واستمرت الاضطرابات مشتعلة لأكثر من ثلاثة أعوام من سنة 1815إلى سنة 1818 .. حيث انطلقت الثورة في مناجم الفحم أولا ثم انتشرت فى مواقع أخرى كثيرة ، ومن أغرب الملاحظات لمن يدرس هذه الفترة من تاريخ النضال الدستوري فى انجلترا أن القيادات الشعبية كانت تسجّل أسماء جميع الذين قادوا حملات القمع والتعذيب من سلطات الأمن ، ولا تزال مسجّلة حتى اليوم تلطّخ سمعتهم وتُخْذيهم على مر السنين و الأجيال ، فلا ينسى الناس أسماء الذين كانوا أسواطاً وجلادين في يد الطاغية المستبد...!
في منشستر سنة 1819 قرّر العمال الإضراب عن العمل معبّرين عن احتقانات متراكمة في صراعهم مع أصحاب الشركات المُدَعّمين بقوّة السلطة الحاكمة [ تذكّر أنه حيثما توجد منظومة مستبدة تبرز دائما ظاهرة زواج الثروة والسلطة ، سواء كنّا فى انجلترا أو مصر أو بلاد واق واق] .. إحتشد في إحدى هذه المظاهرات ستّون ألفاً في مسيرة سلمية فإذا بقوات عسكرية من سلاح الفرسان تقتحم المظاهرة وتقتل أحد عشر شخصا من المتظاهرين .. فاشتعل الصدام بين الجماهير الغاضبة وبين القوات العسكرية .. وانتشر التمرد في كل مكان .. كانت الجماهير تنشد فى حشودها ومسيراتها نشيدا من كلمات الشاعر الإنجليزى شيلى ترجمْتُه إلى العربية نثرا أقرب إلى الشعر .. ولكن تفضل صديقى الدكتور عاصم نبوى فجعله نظما جميلا ، يدعو فيه شيلى جماهير المستضعفين لليقظة والاحتشاد ، ويصف إعداءهم بأنهم قلّة ضعيفة مذعورة رغم تحصّنهم بقلاع السلطة والجاه .. وأن مصيرهم الأكيد هو الدمار والهلاك .. يقول:
تراكَمَ الغبارُ فوقكَ تَلاً .. لِطولِ ما غِبْتَ غارقا في خيالِكْ
فحَطِّم القيْدَ وانفضْهُ أرْضًا .. كما تنفُضُ الثّرَى عن ثِيابكْ
وانتفضْ مارِدًا فالحَشْدُ يرْبُو .. ويزدادُ قوةً بانضمامِكْ
والعِدَا فئرانُ جُحْرٍ مذعورةٌ .. تلوذ بالحصن خوف المعارك
قلةٌ تُظْهِرُ البأسَ زيفًا ومَيْنًا ... لا يقيها الرَّدَى والجمعُ هَالِكْ
وأنا من جانبى أهدى هذا النشيد الثورى لقادة الإصلاح والتغيير فى كل بلاد مكان.
من الناحية التاريخية نعرف أن رِؤية شيلى الشاعر الرومانسي الثائر هى التى تحقّقت .. ولا شك أن الشعب البريطاني قد خاض من أجل تحرّره بحارا من التضحيات واشتبك مع السلطات الطاغية فى معارك ضارية عبْر سنوات طويلة ولكنه انتصر فى النهاية .. تحطمت قلاع الاستبداد وزالت قبضة المترفين الفاسدين عن السلطة .. انتصر الشعب.. وامتلك حريته وأقام أعظم ديمقراطية فى التاريخ الحديث . والعبرة الإلهية هنا كونية وشاملة .. فلا تستبعد أن يضرب الله لنا الأمثال فى أقصى بقاع الدنيا .. فالأرض جميعا قبضته وبعض مُلكه ، والكلّ عباد لله ، والقوانين الطبيعية والاجتماعية التى بثها الله فى الكون والمجتمعات الآنسانية حيثما كانت لا بد أن تأخذ مجراها وتُحقّق نتائجها وآثارها حيث تتوفّر شروطها : { إن الله لا يغيّر ما بقوْم حتى يغيّروا ما بأنفسهم } .
(2) المشهد فى تركيا: بدأت إرهاصات التغيير على الساحة السياسية فى تركيا خلال حكومة أرْبكان سنة 1996وقد عرفنا أن حزب أربكان المسمّى (حزب الرفاه) كان حزبا إسلاميا .. وكانت تلك ظاهرة شديدة الغرابة فى محيط سياسي واجتماعى ترسّخت فيه لعقود طويلة علمانية غليظة الرقبة منذ كمال أتاتورك.. أحزاب سياسية ذات توجهات قومية وعلمانية شرسة .. تنهض ضد كل ماهو اسلامي أو عروبي .. ومع أمريكا وإسرائيل فى كل سياساتهما المعادية للعرب والمسلمين .. وهى توجهات كان يدعمها الجيش التركى ، إو على وجه الدقة والتحديد جنرالات الجيش التركي ، الذى كان بحكم الدستور صاحب اليد العليا فى المشهد السياسي ، وحامى حمى العلمانية ، والأمين على تراث أتاتورك الإلحادي .. هذه التركيبة من قيادات الأحزاب والجنرالات و كبار رجال المال والأعمال كانت تمثّل فى تركيا طبقة المترفين الفاسدين ، الذين احتكروا السلطة والثروة وأفسدوا كل شيء فى تركيا على مدى ما يقرب من ثمانين عاما .. وقد ظلت تركيا تتدهور وتنحط حتى بلغت الحضيض .. انهار إقتصادها .. وانهارت عُملتها وسمعتها فى العالم .. حتى جاء أربكان وأخذ يعيد بعض التوازن إلى الحياة السياسية والاقتصادية .. واستطاع فى فترة قصيرة أن يحقق إصلاحات ملموسة فى الداخل وفى سياسة تركيا الخارجية .. وكانت له طموحات كبيرة فى التنسيق والتعاون مع الدول المسلمة .. وقد خطا فى هذا السبيل خطوات جريئة .. وكان هو نفسه رجلا جريئا وصريحا ربما أكثر مما تحتمله تلك المرحلة .. فلم يكن يعمل حسابا لشراسة الطبقة التى اعتادت السيطرة على الحكم ، ولم يقدّر سطوة جنرالات الجيش حق قدرها ، فأطاحوا به واستصدروا حكما قضائيًّا بحرمانه من مزاولة أى نشاط سياسي.. ولم يكن قد تجاوز العامين فى الحكم .. ولكنه على أى حال كان أوفر حظا من رؤساء سابقين ثار عليهم الجيش وقتلهم ..
يلاحظ المراقب للساحة السياسية فى عهد أربكان ظاهرة شديدة البروز والغرابة أيضا .. خصوصا فى قلب نظام فاسد اعتاد على السلب والنهب وإهدار المال العام وإهمال مصالح جماهير الشعب الحيوية ، حتى أصبحت اسطنبول وهى أكبر مدن تركيا مدينة معوّقة .. يعانى سكانها من سوء الخدمات وانقطاع المياه والكهرباء وغلاء المعيشة .. والتّسيّب وضعف سلطة القانون وانتشار الجرائم و الجريمة المنظمة والدعارة .. أما الظاهرة العجيبة التى أشرت إليها فكان يمثّلها شخصية رجب طيب أردوجان محافظ أسطنبول .. فما الذى فعله هذا الرجل فى هذه المدينة وفى غضون فترة قصيرة من الزمن ..؟ لقد أعاد الحياة إلى مدينة كبرى كانت تحتضر عندما زرتها سنة 1981 .. اصلح مرافقها فعادت إلى بيوتها المياه والكهرباء بلا انقطاع .. وانتهت مشاكل نقص الخبز ومواد الغذاء الشعبي .. وانفرجت أمام المواطنين العاديين فرص العمل والزواج والسكن والتعليم .. حتى الدعارة كانت له فيها حلول عبقرية دون اللجوء للقوانين التعسفية القصرية التى عادةً ماتلجأ إليها أنظمة الحكم البوليسية ، وتفشل فى الغالب الأعم .. كان أردوجان بحكم تربيته وتعليمه الإسلامي ، ولعمق فهمه للفطرة الإنسانية ، مؤمنا بأن فى الإنسان مهما تورّط فى الآثام قوة ضمير كامنة .. قد تكون منهكة أو نائمة ، ومن ثَمّ تحتاج إلى من يوقظها ويقوّيها ويحسن التعامل معها ، باللين وتوفير القدوة وفتح أبواب كسب الرزق الحلال .. وهذا ما فعله أردوجان للقضاء على الرزيلة والفسق فى اسطنبول .. وعندما سأله الصحفيون الغربيون : كيف استطعت أن تصنع كل هذه المنجزات فى وقت قصير ، وقد كانت الحكومات السابقة تتذرّع لعجزها عن الاصلاح بنقص الاعتمادات المالية .. فمن أين جئت بكل هذه الأموال ..؟! ترى ماذا كان جواب الطيب أردوجان ..؟ قال الرجل العظيم ببساطة وتواضع: كل ما فعلناه أننا أغلقنا أبواب الفساد فى الإدارة الحكومية، وضربنا على أيدى الناهبين عن نهب المال العام .. فتوفّرت لدينا أموال كثيرة كانت كافية للأنفاق على كل هذه الاصلاحات .. وبدأنا نحسّن حياة الناس ونساعد الشباب الراغبين فى الزواج على تحقيق أحلامهم فى الزواج والاستقرار ..
لقد استطاع أردوجان وصحبه بالقدوة الصالحة وبدأبهم فى السعى على مصالح الناس ورعاية شئونهم ، وبسياساتهم الرشيدة أن يبثّوا الأمل فى نفوس الناس ، وأن يحرّكوا المجتمع كله .. وأن يساعدوا الشباب على إبراز أقصى طاقاتهم فى العمل والانتاج والخدة العامة .. لا بالأناشيد الوطنية الغبية ولكن بالعمل والانجاز والتمتع بثمرات هذا الانجاز .. وكانت هذه التجربة العبقرية هى التى لفتت أنظار الشعب التركي إلى قيمة هذا الرجل وصحبه .. وإلى أن الأمل فى التغيير و الإصلاح ممكن إذا طرح الشعب جانبا طبقة الحكام المفسدين المترفين ، واختار لحكمه وإدارة شئونه هذه النخبة من الرجال الأتقياء الأنقياء .. وقد فعل .. أما بقية القصة فنحن نعلمها ، ونعرف ماذا يفعل أردوجان وصحبه الان فى تركيا .. إنهم رجال عقلاء استطاعوا باللين والحكمة أن يقلّمو أظافر الدكتاتورية العسكرية والسياسية .. وأن يحجّموا دور الجيش فى السياسة والحياة العامة دون لجوء إلى التصادم والتناطح مع هذه القوة الباطشة ، وأن يهذّبوا العلمانية البشعة .. وقد استطاعوا أن يقنعوا الشعب التركيّ بتفسيرهم الخاص للعالمانية .. وأن ينهضوا باقتصاد بلادهم .. ويحققوا كرامة شعبهم .. ويضعوا تركيا على خريطة القيادة والريادة على المستويين الإقليمي والدوليّ .. ( لمزيد من التفاصيل إقرأ إن شئت مقالتين لى فى مجلّة المختار الإسلامي .. إحداهما عن تجربة حزب العدالة والتنمية ، والثانية بعنوان: تركيا على أبواب الاتحاد الأوربي).
أصبحت أخبار أردوجان تملأ الصحافة والإعلام العالميين: رأينا موقفه الإنساني الشجاع من قضية العدوان الإسرائيلي على غزة ، ورأيناه يذرف الدموع وهو يزور جرحى الحرب الفلسطينيين فى المستشفيات، ورأيناه يدافع عن قضيتهم فى المحافل الدولية .. ورأيناه بلقّن بيريز رئيس الكيان الصهيونى درسا فى منتدى دافوس العالمي .. ورأيناه ينفتح على جيرانه العرب والإيرانيين ويمد يده للتعاون والتنسيق بين القوى السياسية الفاعلة فى المنطقة ، يسانده شعب قويّ استعاد وعيه ورشده، وتدعّمه قوة فكرية واستراجية جديدة متفتتحة ، يمثلها وزير خارجيته ونخبة من المفكرين الاستراتيجين العظام من حزب العدالة والتنمية .. بينما تعاني دول عربية كبرى من العقم الفكرى والضلال .. ولا تفرز إلا شخصيات قميئة وسياسات غبية لا تأتى إلا بالفضائح والخزى ومعادات الجيران والأخوة .. والفرقة بين الأشقاء .. ولو ذهبت تحلل مواقفها وسياساتها تحليلا نفسيا واجتماعيا لوجدت نفسك أمام كيانات تسعى إلى الانتحار باندفاع أعمى .. وتتحرك فى الساحة العالمية كما يتحرك الثور الأهوج وهو ينطح الوشاح الأحمر ولا يدرى أن سيف مروّضه الذى سيدفع به فى عمق رأسه أو قلبه ، بعد أن يبلغ منه الإنهاك مداه ، مخفيّ وراء ظهر (الماتادور) ، أو الصديق الأمريكي/ الإسرائيلي .. !
لو رجعنا إلى المشهد التركي لتحققنا أن عهد حزب العدالة والتنمية فى تركيا هو صفحة جديدة غير مسبوقة فى التطور التاريخي لهذا البلد .. لقد انطوت صفحة دكتاتورية الجنرالات، و انهارت العلمانية البشعة بسقوط بولنت أجاويد آخر ممثليها .. لقد آذنت منظومة المترفين الفاسدين المفسدين فى السلطة والمجتمع على الزوال ، وانبثق في تركيا فجر جديد .. أعتقد أن أصحابه يتمتعون بقدر كاف من الحكمة والحنكة والرؤية الواضحة ما يؤهلهم لقيادة بلادهم فى أشد الظروف قسوة واضطرابا .. فهؤلاء الناس لا تعمي بصائرهم الأهواء أوالمطامع الشخصية عن المصالح الحقيقية لبلادهم وشعبهم ، ولا تستبد بهم هواجس التوريث والرغبة العارمة للانفراد بالسلطة.. ويستخدمون التغييرات الدستورية والقانونونية لا لتأبيد احتكار السلطة ، وإنما لتكبيل القوى المعادية للديمقراطية والحرية ، التى دأبت على احتقار القانون وتجاوزه والاستهانة بالشعب ومصالحه وكرامته . أحسب أن قادة حزب العدالة والتنمية قد وعَوْا عبارة "محمد إقبال" أحد فلاسفة الإسلام العظام فى العصر الحديث حيث قال: " هناك طريقان ممكنان لتوجيه البشرإلى الرُُّقيّ : العمل من خلال التنظيم ، والعمل فى الضمائر الفردية ، وكان فوز الدين فى الماضى ناتجا عن جمعه بين هذين النمطين من العمل " . و أحسب أنهم قد تمثّلوا قول عليّ بن أبى طالب رضى الله عنه حيث قال: " إن الأرض لا تخلو من قائم لله بالحُجّة ... وإن حجج الله تعالى هم أعلام الحق والفضيلة ومُثل العدل والخير ، فمنهم العالِم المستقل بالدليل وإن سخط المقلّدون ، والحاكم المُقيم للعدل وإن كثر حوله الجائرون ، والمصلح لما فسد من الأخلاق والآداب وإن غَلَب المفسدون ، والباذل لروحه حتى يُقتل فى سبيل الحق وإن أحجم الجبناء والمُراءون ..."
(3) نماذج من المترفين المفسدين فى الأرض: ليس إسمه مُهِمًّا ولكنّا نعرفه بأعماله وسيرته .. عندما هلك سنة 2008 كان قد بلغ من العمر ثمانين عاما ، قضاها فى معاداة الاسلام والمسلمين وخدمة إسرائيل .. اشتهر عنه أنه آخر من بقى من يهود الهولوكوست ولكن تجربة المحرقة لم تصلحه فساند إسرائيل فى كل جرائمها ومحارقها ضد العرب والفلسطينيين .. أمريكي ولكنه يتحدّث الإنجليزية بلكنة مجرية واضحة .. كان عضوا بالكونجرس لسنوات طويلة عن الحزب الديمقراطي [ لايهمّ فكلّهم سواء] .. كان رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس لمدة عشرين سنة .. فى السياسة الداخلية كان مؤيدا للزواج المِثْلى ( يعنى زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة) .. ومؤيدا لتقنين مخدّر (الماروانا) بحجة استخدامه فى العلاج ( وأصبح بيع الماروانا الآن متاحا فى سان فرانسسكو بولاية كاليفورنيا) .. وصوّت ضد اقتراح كلينتون رئيس حزبه الديمقراطي فوقف مع الجمهوريين فى رفض تجريم حمل السلاح .. نشيط جدا فى مجال حقوق الأنسان .. فقط فى دارفور السودان والسعودية .. وبذل جهودا كبيرة لوقف وصول الأسلحة والمعونات عن طريق مصر لغزة وحماس ، للقضاء على المقاومة الفلسطينية .. وهدد مصر بقطع المعونات الأمريكية والمساعدات العسكرية خصوصا وأنها لم تقدّم جنودا لمساعدة القوات الدولية فى أفغانستان .. حرّض بقوة الرئيس الجمهوري بوش على الحرب والحزم فى أفغانستان المسلمة وفى العراق العربية المسلمة .. وكان أكبر مؤيد لحرب الخليج الأولى والثانية والثالثة .. كان مؤيدا لبوش الجمهوري فى كل سياساته الحمقاء ، ولكنه تظاهر بالتراجع وبدأ يهاجمه سنة 2006 ليبعد عن نفسه المسئولية عن حماقات بوش وإخفاقاته المتتالية .. [الانتهازية السياسية والتلوّن الحربائي بعض سمات المترفين المفسدين الثابتة] .. كان وراء مظاهرات الاحتجاج أمام السفارة السودانية فى واشنطون بدعوى الدفاع عن حقوق الانسان فى دارفور .. ومن أكبر الداعين لمحاكمة الرئيس السودانى أمام محكمة جرائم الحرب الدولية .. ودافع بقوة لإيقاف المساعدات الأمريكية للبنان حتى تسمح حكومتها للقوات الدولية بالوجود على الحدود السورية لمنع تدفق الأسلحة إلى حزب الله ، العدوّ الأكبر والأكثر نجاحا فى التصدّى للعدوان الإسرائيلى على لبنان والعربدة فى المنطقة ... إذا كان الإسم مُهمّا لديك فهو توم لانتوس"
وحتى يأذن الله بلقاء آخر تذكّر هذه الآية : {إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ والَّذِينَ كَفَرُوا إلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ويَجْعَلَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} (الأنفال: 36 – 37)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.