ثار اللغط في الآونة الأخيرة حول دولة قطر الشقيقة، وكثرت عنها الشائعات لدرجة أنها أصبحت تنطلي على عدد من أبناء الشعب المصري البسطاء، وكنت كلما نزلت إلى مصر، أواجه بكم من الأسئلة المتكررة من بعض أقاربي والمحيطين بي في مصر عن قطر، نظرًا لعلمهم بإقامتي منذ مدة طويلة فيها، وهل قطر لها أطماع في مصر، وهل تسيء معاملة المصريين، وهل فعلًا تكره مصر وتحرض عليها عن طريق قناة الجزيرة؟ كل هذه الأسئلة كنت أتفهمها قبل الثورة، لكن ما لم أتفهمه هو نفس الأسئلة، ونفس الشائعات عن قطر والجزيرة بعد الثورة، وبعد خلع مبارك، ولنتأمل موقف قطر على الجانب الشعبي مع المصريين، وعلى الجانب السياسي الرسمي. أما على الجانب الشعبي مع المصريين، فأشهد أني منذ قدمت إلى قطر منذ ما يقرب من (15) عامًا، لم أجد فيها إلا كل احترام لي ولبلدي ولأزهري الذي أنتمي إليه، لم أشعر يومًا أني في بلد آخر، لم أجد من أهلها إلا الحب والوفاء، وحسن المعاملة، في فرحي وألمي كانوا خير معينين ومشاركين، لي ولغيري، لم أقصد مرة قطريًا من أهل الخير في مساعدة لأحد أو لهيئة وردني بدون ما أريد كاملًا غير منقوص، دون أن يشترط أن يكتب اسمه على هذا العمل الخيري، لم أطرق باب وزارة قطرية أيًا كانت إلا وعاملني الجميع باحترام وتقدير لعمامتي وزيي الأزهري، وانتمائي للأزهر ومصر، وما يحدث معي يحدث مع كل المصريين. أعمل في جمعية خيرية، نسبة المساعدات للعلاج في أمراض مثل: زراعة الكبد والكلى، للمصريين هي أعلى نسبة، ويتم الأمر في سرية تامة، لا تمس ولا تجرح المريض، في تعاون كامل. وحين ابتليت بحادث ابنتي منذ عام ونصف، وابنتي تعالج في مستشفيات قطر دون أن أدفع ريالًا واحدًا، بل وأنا أجلس خارج العناية المركزة في الاستراحة، إذ بأحد الإخوة القطريين، يسألني: هل لها علاج بالخارج؟ ثم أعطاني أرقام هواتف لهيئات قطرية تتبع الدولة، لأتواصل معها كي أمنح حق العلاج في الخارج، وهو للقطريين فقط، ولكن مساعدة منهم للمقيمين في قطر لهم أبواب أخرى يطرقونها للعلاج في الخارج على نفقة الدولة، أو بمساعدة الجمعيات الخيرية، ولم يكتف بذلك، بل قام بمهاتفة من يعرف من أصدقائه ممن يعملون في هذه الجهات هذا شعور عام تجده من معظم القطريين تجاه المصريين، وغير المصريين في قطر. أما على الجانب الرسمي القطري، فليس لي أي تعامل رسمي حتى أحكم من خلاله، إلا مرة واحدة كان تعاملًا غير مباشر، وذلك وقت الحرب على غزة سنة 2008م، وقد قررنا في اتحاد علماء المسلمين، أن نطوف على حكام الدول العربية، وبخاصة الدول الكبرى، لنحثهم على وقف الحرب على غزة، وقد وضعت دولة قطر طائرة خاصة لوفد اتحاد علماء المسلمين، طافت بنا على الدول التي قابلنا رؤوساءها وقتها: السعودية الأردن سوريا تركيا، بينما جاءنا الاعتذار من الرئاسة المصرية عن المقابلة. أما على الجانب السياسي تجاه مصر، فقد كان موقف قطر واضحًا من ثورتها من أول يوم، وكانت قناة الجزيرة هي القناة الوحيدة التي تساند الثورة، ببثها الحي من الميدان، بينما كانت هناك فضائيات أخرى لم يكن لها هم إلا الفت في عضد الثورة، وإفشالها، وعندما خلع مبارك من الحكم، كانت أول دولة عربية تهنئ مصر بالثورة: قطر، وأول دولة أوروبية: النرويج. قد نتفق أو نختلف مع السياسة القطرية، ولكن أليس من الإنصاف أن من يحسن نقول له: أحسنت، ومن يسيء نقول له: أسأت؟ ففيم أساءت قطر إلى مصر، حكومة أو شعبًا؟ لا أجد إساءة مطلقًا منذ ثورة مصر من جانب قطر، ولم أره من قبل إلا فيما يخص الخلاف السياسي بين النظامين، ولست بذلك أصور قطر على أن سياستها سياسة ملائكية، فهذا محال في عالم البشر، ومحال أكثر في عالم السياسة، بل حتى عندما نرى خطأ في سياستها ننقده، ونرى أكبر رمز إسلامي في قطر والعالم الإسلامي الشيخ القرضاوي، وقد نقد بعض مواقف قطر السياسية علنا وعلى أكبر منبر فيها. أما النغمة المستمرة هذه الأيام حول قطر، وكم الشائعات التي لا سند لها ولا خطام، فهو أمر واضح أنه لموقف قطر من الثورة المصرية، ولدعمها مصر سياسيًا واقتصاديًا في هذه المرحلة الحرجة من مسيرتها بعد الثورة، وزاد الهجوم بعد القرض القطري الأخير لمصر، والوديعة القطرية، وكنت أتمنى أن يكون معارضو القرض القطري صرحاء مع أنفسهم، بأن سبب حنقهم على قطر، ليس ما يزعمونه من كلام يعلمون علم اليقين أنه هواجس لا تبنى على حقائق، بل هو حنق على أن وقفة قطر ستطيل من أمد حكم الإخوان ومرسي، وستقوي دعائم هذا الحكم، وهم قد أعدوا أنفسهم ومنوهًا بأن مصر داخلة على ثورة جياع، تجعلهم يقعدون على تلها بعد خرابها، ثم يحكمونها حتى لو كانت أرضا محروقة، أو خرابة تعشش فيها غربانهم. وكان الأولى أن نقول لقطر: شكرًا على مواقفها منذ الثورة مع مصر، وهذا هو الخلق المصري الأصيل، وليس النكران والجحود، بدعوى أن مصر لا تتسول من أحد، وتصوير هذه الوقفات على أنها مذلة للمصريين ولمصر، ولمكانة مصر، ناسين أن حرب أكتوبر وقف فيها العرب مع مصر، وما زلنا نذكر وقفة الملك فيصل رحمه الله، ووقفة الرئيس الجزائري هواري بومدين، ووقفة شاه إيران، اتفقنا أو اختلفنا مع سياسة هؤلاء جميعًا، لكن أن ننسى وقفة من يقف معنا وقت المحن أو الشدائد فهذا هو الجحود بعينه، وهي ثقافة غريبة عن المجتمع المصري الأصيل. والعجيب أن المذيع الساخر الأستاذ باسم يوسف، تناول قطر بسخريته، ولم نجد له حرفًا مكتوبًا، ولا ثانية في برنامجه عن دولة معينة يعلمها ونعلمها يقينًا، ضد ثورة مصر، وضد مصالح مصر، ولا تكف ليل نهار عن دعم الثورة المضادة، بل الإضرار بمصالح مصر، وما يقال عن باسم يوسف يقال عن غيره، ممن لا يكل ليل نهار عن السخرية من قطر، والتعرض لها بالسوء، لموقفها من مصر حاليًا بالدعم، غاضًا الطرف عن كل من يتمنى السوء لمصر وثورتها. يا من تتحدثون عن قطر بالسوء، أنتم تتحدثون عن(قطر) أخرى لا أعرفها، ولم أعش فيها، وليس لها وجود إلا في رؤوسكم. [email protected]