كانوا يطلقون على الدكتور يسري الجمل وزير التعليم السابق لقب "وزير الصدفة" ، لأنه اختير للوزارة بعد تشكيلها ، وبعد أن وشى بعضهم بأحمد جمال الدين ، الوزير الأسبق للتعليم ، بأنه على صلة قرابة أو مصاهرة مع قيادات إخوانية ، وكانت بعض الصحف القومية قد أعلنت اسمه ضمن التشكيل الوزاري الجديد وقتها ، ثم اختفى الجمل فجأة من المشهد كما جاء فجأة ، وجاءوا بالدكتور أحمد زكي بدر ، دون أن يدري أحد في مصر ، لماذا ذهب الجمل ولماذا أتى زكي بدر الثاني! ، وعلى الرغم من أن الجمل لم يكن أسوأ من في حكومة نظيف ، بل كان أقلهم ارتكابا للأخطاء ، كما أن وزارة التربية والتعليم من المؤسسات البيروقراطية التي تتحرك بالقصور الذاتي ، ومن الممكن أن تستمر في سيرها عشرين عاما بدون وزير ، فما هي إذن الجرائم الفادحة التي ارتكبها يسري الجمل بحيث يتم اختياره هو للإقالة دونا عن قرابة ثلاثين وزيرا في الحكومة لا يستحق معظمهم أن يكون وزيرا لمصر باستثناء اسمين أو ثلاثة على الأكثر ، وأغلب الظن أن الرجل تم إبعاده لمجرد توسعة مكان لأحمد زكي بدر ، والوزير الجديد لا يعرف له تاريخ كبير ولا صغير في المجال الأكاديمي ، ولا المجال السياسي ولا أي مجال آخر على الإطلاق ، حتى أن شهادته الجامعية ذاتها لا يعرف كثير من الأكاديميين فحواها ومصدرها بالضبط ، ومع افتقاره لكل تلك الخبرات أو السيرة الذاتية التي تبيح لنا فهم هذه "القفزات" التي قام بها خلال ثلاثة أعوام ، حيث يختار رئيسا لثاني أكبر جامعات مصر ، جامعة عين شمس ، ثم يكون وزيرا للتعليم ، يصبح السؤال مشروعا عن مقومات الوزير في مصر أو المعايير التي يتم على أساسها اختيار الوزراء ، وللأمانة فأنا ليس لي اعتراض مباشر على وزير التعليم الجديد كشخص ، لأنها لم تعد تفرق ، واشمعنا هو يعني ! ، ولكن أي نظام سياسي في العالم يحاول أن يتقرب من شعبه ، ولو نفاقا ، ببعض التوضيحات أو المقاييس التي على أساسها يتم اختيار قيادات الدولة العليا وخاصة الوزراء ، ولما كانت هذه المعايير منعدمة تقريبا في مصر ، كما أن مجرد نفاق السلطة لشعبها لم يعد مطروحا ، لأنه ساقط قيد بالنسبة لهم ، فقد ذهبت خواطر الناس وتخميناتهم إلى عدة نواحي لتلمس أسباب "تنطيط" زكي بدر الثاني بهذه السرعة في أرفع مناصب الدولة ، ومن يدري ربما تكون "النطرة" المقبلة له أن يكون رئيسا للوزراء خلفا لأحمد نظيف ، البعض اعتبر أن إنجازاته تتلخص في خياراته الأمنية في إدارة شؤون الجامعة ، وشهيرة تلك الواقعة التي حدث فيها اضطراب في جامعة عين شمس واستقدم الرجل مجموعة من البلطجية لتأديب الطلاب وسالت الدماء في الجامعة قبل أن يتم السيطرة على الوضع ، كذلك اعتبروا أنه صاحب مهارات خاصة في إدارة الانتخابات الطلابية ، كما أنه ينزع إلى عسكرة الحياة التعليمية ، حتى أصبحت أهم مميزاته أنه مكروه من الطلاب والأساتذة والإداريين جميعا ، ولا يوجد أحد في حدود استماعي أو قراءتي تحدث عن أي شيئ آخر كمسوغ للبروز المفاجئ لزكي بدر الثاني ، وأنا لا أميل إلى اعتبار أن الطباع الأمنية لديه وراثة من أبيه وزير الداخلية الأسبق ، لأن للوزير السابق أبناء آخرين في غاية الأدب والخلق الرفيع والالتزام الديني أيضا ، ولكن مثل هذا السلوك الذي عرف عن الوزير الجديد مرتبط بخبرته الشخصية وطموحه والطريق الذي اختطه لنفسه منذ كان طالبا وحدد وجهته على أساسه . [email protected]