أقام قذاف الدم أمام محكمة القضاء الإدارى الدعوى، رقم 35900 والدعوى رقم 35901 لسنة 67 ق، للمطالبة بوقف وإلغاء قرار تسليمه للسلطات الليبية بناء على مذكرة الإنتربول الدولى، وأسس طلبه على أنه مصرى الجنسية، وبالتالى لا يجوز تسليمه، ولوجود خوف على حياته حال تسليمه للسلطات الليبية لمحاكمته على جرائم دولية فى حق الشعب الليبيى، إبان فترة حكم القذافى، وقبل قيام الثورة الليبية، هذا مجمل ما طلبه فى الدعويين وأصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمًا بوقف تنفيذ قرار تسليمه، مخالفة بذلك مبادئ الدستور وأبجديات القانون، وما استقر عليه الفقه والقضاء، وهذا الحكم سياسى بامتياز، لذلك فهو منعدم قانونًا والانعدام أعلى درجات البطلان القانونى، أى أنه يعتبر عملاً ماديًا لا يرتب عليه القانون أى آثار قانونية، وحكم سياسى بامتياز، لأنه يقف ضد الثورة صراحة، لمنع وعرقلة أى خطوات إيجابية من مؤسسة الرئاسة لتحرير القرار السياسى المصرى من الهيمنة والسيطرة الغربية، وعلى رأسها هيمنة الولايات المجرمة الأمريكية على القرار السيادى والسياسى المصرى، كما كان الوضع قبل الثورة، وفى هذا المقال سوف نوضح الأسس القانونية التى اعتمدنا عليها فى ذلك. بداية كان يجب على المحكمة أن تقضى بعدم قبول الدعوى لعدم صدور قرار بتسليمه، فلا يوجد قرار بذلك، ويكون القرار محل الطعن غير موجود، وقد منح القانون المصرى كامل الحرية فى التسليم من عدمه، حيث ينبغى على الحكومة الليبية أن تسلم للنيابة العامة فى مصر ملفًا يحتوى على كافة الجرائم المسندة للمتهم وأدلة الإثبات التى تدينه وللنيابة العامة المصرية الحق فى تكييف الوقائع التى ارتكبها قذاف الدم وتعطيها التكييف القانونى المتفق مع القانون المصرى، بصرف النظر عن وجهة نظر الحكومة الليبية، واعتبرت المحكمة القبض على قذاف الدم قرينة على رغبة الحكومة فى تسليمه، مع العلم بأنها قرينة يمكن إثبات عكسها وليست دليلاً ولم يصدر عن الحكومة المصرية، ممثلة فى النيابة العامة، أى قرائن تدل صراحة على أنها فى سبيلها لتسليمه إذن الدعوى التى قامت على غير أساس من الواقع، بل على تخيلات وأوهام فى ذهن المدعى والمحكمة، وفى حالة عدم وجود قرار بالتسليم يكون لا وجه ولا محل لرفع الدعوى لانعدام المحل، حيث لا قرار، ولو حتى سلبيا، صدر من الحكومة المصرية، ممثلة فى النيابة العامة، والغريب أن المحكمة قفزت على الواقع والقانون وافترضت وجود قرار، ولا يوجد فى أوراق الدعوى أى دليل على صدروه أو احتمال ذلك، ومن ثم افترضت وجود قرار، وبَنَت على ذلك حيثيات حكمها، مع العلم أنه كان ينبغى عليها بداية أن تثبت فى حيثياتها القرائن والدلائل والأدلة التى تؤكد وجود قرار صادر بتسليم قذاف الدم، ولكنها رتبت نتائج قانونية على واقعة غير موجودة فى الواقع وحيثياتها التى ذكرتها تكون صحيحة فعلاً حال وجود دليل مادى على وجود قرار، فلا بد من وجوده ويحمل رقما وتاريخا لصدوره، مما يجعل حكم المحكمة صادرا بناء على افتراضات لا وجود لها فى الواقع، وليس فى أوراق الدعوى ما يدل عليها، لأن المحكمة تحكم على وقائع ثابتة وليس على أحلام وأوهام قد لا توجد، ماذا لو رفضت مصر تسليمه أصبح هذا الحكم والعدم سواء. الغريب أن هذا كان نهج المحكمة فى كافة حيثياتها الواردة فى الحكم، فقد افترضت المحكمة أن قذاف الدم مصرى، علما بأنه لم يقدم ما يثبت ذلك، بل طلب أجلاً لتقديم المستندات الدالة على كونه مصريًا، وطلب إلغاء القرار السلبى بعدم منحه ما يفيد بأنه مصرى من قبل وزارة الداخلية المصرية، ولكن المحكمة تكفلت بذلك، حيث بَنَت حكمها على أنه مصرى الجنسية مع خلو الدعوى من ذلك، والغريب أنها اعتبرت قذاف الدم لاجئا سياسيا، مع العلم أنها فى حيثياتها تؤكد أنه مصرى الجنسية، وهل يوجد لاجئ سياسى فى دولته، بل فى أسانيدها القانونية الواردة فى أسباب الحكم كلها، تؤكد أن قذاف الدم أجنبى، كيف يكون لاجئا سياسيا، وهو مواطن مصرى؟ وكيف يكون أجنبيا وهو مصرى الجنسية؟ مع العلم بأن القانون والقضاء مستقران على أن الجنسية التى يعتد بها حال وجود تعدد جنسيات لأحد الأفراد، هى الجنسية الفعلية التى يتمتع الشخص بحقوقه ويلتزم بالالتزامات المترتبة عليها، وقذاف الدم دبلوماسي ليبي ويحمل حتى الآن جواز سفر دبلوماسيا ليبيًا، وكان يشغل منصبا سياسيا ليبيًا إلى أن قامت الثورة، فالواقع وأوراق الدعوى تنطق بأنه ليبى وليس مصريًا، وإلا كيف تعتبره المحكمة لاجئا سياسيًا؟ الغريب أن المحكمة استندت على نص المادة (57) من الدستور، وهى التى تتحدث عن منح حق اللجوء للأجانب وليس للمصريين، فنصت على: (تمنح الدولة حق الالتجاء للأجانب المحرومين فى بلادهم من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور، ويحظر تسليم اللاجئين). فضلاً عما سبق، فإن قذاف الدم متهم من قبل الجهات اللبيبة بارتكاب جرائم دولية طبقا للمواد (5 و6 و7)، من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، منها جرائم حرب وجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية، وقد نص هذا النظام أيضًا على عدم الاعتداد بالصفة الرسمية فى محاكمة مرتكبى الجرائم السالفة، وذلك فى المادة (27) منه، وفى مبادئ التعاون الدولى والمساعدة القضائية الواردة فى الباب التاسع من هذا النظام، مما يتعين إعمال صحيح القانون فى حقه. فالمحكمة لم تحدد على وجه اليقين المركز القانوني لقذاف الدم طبقا للقانون المصري، بل أسست حكمها على افتراضات لا وجود لها بأوراق الدعوى، ولا فى الواقع، وتنقلت المحكمة فى المركز القانونى، فجعلته مرة مصريًا، إذا كان ذلك فى صالحه، وأجنبيًا حال كون ذلك فى مصلحته، فقد جرت المحكمة وراء مصلحة قذاف الدم أينما كانت، ولم تطبق القانون، فذلك مخالفة فى تفسير القانون وتطبيقه وتأويله، وفسادًا فى الاستدلال، وقصورًا فى التسبيب ومخالفة الدستور لذلك، فالحكم خارج دائرة ونطاق الدستور والقانون ومخالف لهما، وهو حكم سياسى وليس قانونيًا لخلوه من أسانيد قانونية صحيحة، لذلك فهو والعدم سواء.