هل فكرت أن تقرأ كلمات السادة أصحاب الفخامة والطعامة، القادة العرب بقمة الدوحة؟ لو كان جوابك بلا، وكنت من المهتمين بالسياسة، فإننى أدعوك إلى أن تعيد مشاهدة تلك الكلمات أو تدخل على موقع جامعة الدول العربية، لتقرأ تلك الكلمات مكتوبة، وعندها على الأقل ستريح نفسك من عناء الاستماع للسادة أصحاب المعالى والسحالى، وهم يخطئون فى الإملاء والهجاء. وأنا إذ أدعوك إلى ذلك، أقول لك وبكل صراحة، إن مقالا واحدا لا يكفى صدقا لتغطية ترجمة منصفة ودقيقة لما بين السطور من كلمات القادة العرب. وقد قمت بمراجعة كلمات قادة الدول العربية المهمة وصانعة القرار فى المنطقة، وكل كلمة منهم تحتوى ما يجب أن يُكتب فى تحليله مقال كامل، بلا مبالغة على الإطلاق. وتلك الكلمات برغم إيجازها، حيث كانت تبلغ ما بين 5 و 9 دقائق بحد أقصى، وإن لم تحتوِ على نفس القدر من الثرثرة الإنشائية التى تحملتها كلمة الرئيس المصرى التى بلغت 35 دقيقة تقريبا، إلا أنها كانت تحوى فى طياتها إشارات خطيرة للأوضاع فى المنطقة، وعلى رأسها الوضع فى الداخل الفلسطينى ثم الداخل السورى، بما لم تحويه كلمة السيد الرئيس. غير أن أكثر ما لفت انتباهى هو أن القدر المتفق بين أغلب الدول تقريبا، هو لفت الانتباه إلى خطر الوجود الجهادى على الأرض السورية. وقد أشار عدد لا بأس به من السادة أصحاب السعادة والبلادة، إلى خطورة هذا الأمر فى الداخل السورى والخارج الإقليمى، تلميحا وفى طيات الكلام، وبعضهم قام بالتصريح بذلك، مثل منصف المرزوقى الرئيس التونسى اليسارى، الذى قال ما نصه: أيها الإخوة والأخوات، إننا ننظر بكثير من الريبة والقلق إلى توافد المقاتلين من بلاد أخرى على الأراضى السورية سواء قاتل هؤلاء فى جانب النظام أو ضده، ذلك أن تركيبة الشعب السورى لا تسمح بدخول "العوامل الطارئة"، خاصة إذا استندت إلى قوة المال والسلاح. لقد علمتنا التجربة أن هؤلاء سيعودون إلى أوطانهم الأصيلة، وأنهم سيشكلون "مخزونًا بشريًا لزعزعة استقرار دول أخرى". لذلك "لا يمكننا" السماح بهذا النزيف الخطير الذى يتعرض له شبابنا بعد أن ينقل إلى سوريا ليقتل أناسًا لا يعرفهم "لغايات لا يدركها كثيرًا". إننى هنا وإذ أقتبس المقطع السابق من كلمة الرئيس التونسى، أقف مندهشا من تكرار التاريخ لدروسه العجيبة. ففى مطلع حكمه، ظهر السفاح المخلوع معرضا بالشباب المصرى الراغب فى الجهاد، قائلا بالحرف: "عايز جهاد يا مرحبا روح جاهد هناك بس متخربش بلدك تحت اسم الجهاد، علشان تطلع مظاهرة وتدخل المخربين وسط الزحمة دى، عايز تجاهد.. فدائى روح يالا مع ألف سلامة، أنا مكتّف حد؟ اللى عايز يسافر لازم يعلمنى أنه مسافر علشان أجاهد، ما تروح تجاهد يا مجاهد فى سبيل الله، يالا يا سيدى مع السلامة، إيه اللى مانعه؟ يعنى مسكوا إيده يجيب باسبور ويطلع ومع ألف سلامة، ومع تحياتى بس يروح..."، وقد ألقى المخلوع اللص هذه الكلمة فى احتفال القوات البحرية وكان يحضره المشير طنطاوى. وعملاً بالنصيحة، سافر الشباب من راغبى الجهاد إلى دول الثغور، وعندما قرروا أخيرا العودة جُمعوا ووضعوا فى المعتقلات. فلم يدرك المواطن المصرى وقتها أن تذكرة الذهاب للجهاد التى منحت له فى مطار القاهرة كانت تذكرة ذهاب، بشرط اللاعودة.. الآن يتكرر نفس الوضع.. فيسافر الشباب المسلم العربى طالبًا الجهاد ليفاجأ بقادته يغلقون الباب خلفه بالقوة ويرفضون عودته للوطن، وقد قامت بعض الدول العربية بإصدار بيانات من وزارات الداخلية تحذر الشباب من الذهاب إلى سورية!! تذكرت تلك الدول إصدار هذه البيانات بعد سنتين أو يزيد من الحرب الأهلية السورية، وكأن فخًا قد نصب لشباب التيارات الإسلامية من المحيط للخليج. إن نموذج "إفناء الجنود الألبان" يتكرر هنا، وبشكل فج، حيث انقضت الحاجة فى دول الخريف العربى للتيارات الإسلامية، ولزم التخلص منهم، فمن لم يذهب لسورية مختارا ليموت هناك، فلا بأس من تلفيق قضية "عائدون" له، حتى لو لم يغادر مسكنه قط. بينما دول أخرى تقوم بحملة تطهير متعمدة ضد هؤلاء الشباب. والعجيب أن تلك الدول متضادة فى التركيب الأيديولوجى متعارضة المصالح، بل ربما بينها عداوات سياسية ظاهرة! وهو ما يجعلك تشك أن هذه التصرفات عبارة عن تعليمات "عليا" ينفذها الرؤساء العرب بحذافيرها.. إننا هنا فى مصر أمام واقع خطير.. فالدولة لا أقول تسهل، ولكنها لا تفرض القيود الكافية على سفر شبابنا إلى سورية، للجهاد المشروع ضد الطاغوت بشار.. وسياستها فى شأن "العائدون" غير معلنة ومبهمة! إننى لا أستطيع فى ضوء كل هذه النذر، فى الأفق التى تنذر بضربة قوية توجه ل"العائدون"، أن أتوقع أن تكون مصر جنة الله فى أرضه بالنسبة لهم، وأن العائد من سورية سوف يدخل إلى البلاد لينعم باستقبال الأبطال. يجب - وفى ضوء ممارسات سابقة وحالية لأنظمة الشتاء والخريف فى عالمنا العربى المحروم من الربيع - أن أضع قدرا من التوقعات السيئة فى الحسبان. إن وضع المصريين فى سورية خطير بقدر خطورة وضع السوريين فى مصر. وكلا الوضعين متفجر ومسكوت عنه بشكل مريب. [email protected]