دار بينى وبين صديقى الناشط الحقوقى، حوار من فترة قريبة حول حصص الأحزاب فى الانتخابات القادمة، ويتفاءل صديقى بمستقبل الإخوان الانتخابى ويؤكد أنهم سيحصدون مقاعد أكثر، أو على أسوأ تقدير ستبقى حصتهم ثابتة، ثم تنضم لهم أحزاب، "على فكرة أنا مش إخوان"، أو "عايز إخوان بدقن روح لحزبنا"، التى أنشئت حديثًا أو قديمًا من أحلاف الإخوان وتلاميذهم فى تحالف "برلماني". قال لى صديقى إن باسم عودة هو رجل الإخوان الأول فى الانتخابات، وسبب ذلك ما يبدو من نشاط السيد باسم عودة الواضح فى الفترة الأخيرة. والحقيقة أنه لا يجادل إلا مفترِ فى أن باسم عودة أصبح أنشط الوزراء، وبرغم أنى أرى أن ما يتم طرحه إخوانيًا حول رغيف الخبز هو نوع من البروباجندا، وأن هذا الرغيف الذى يمسك به الوزير والذى يمكنك ببساطة أن تلتحف به فى مشهد كوميدى يشبه بعض أفلام عادل إمام، لا وجود له فى الواقع ولا يمكن العثور عليه إلا حصريا فقط فى مخابز القوات المسلحة، "بالصدفة". والحقيقة أن هذا أمر مثير للعجب بشكل كبير، فأنا أعلم على وجه اليقين أن مشكلة مصر من السلع التموينية لم تكن "فقط" مشكلة تهريب، كما يحاول البعض أن يوحى، ومن يذكر مشكلة القمح الروسى يعرف جيدا عما أتكلم. عندما يقول السيد الوزير إن أرصدة القمح تكفى حتى نهاية العام فهذا إنجاز لا يمكن إنكاره. عندما تصل أنبوبة البوتاجاز إلى خمسة جنيهات فى المستودع و15 جنيها فى التوصيل للمنزل، فهذا إنجاز لا يمكن إنكاره. أما الأمر الذى خارج حدود النتائج الطبيعية والذى لا يقبل النقاش، فهو كيف وفرت الوزارة كل هذه الأرصدة واستطاعت القضاء على تلك الأزمات فى هذا الوقت القياسى؟ شهران فقط هو عمر باسم عودة فى وزارة التموين، وإذ فجأة كده وانت مش واخد بالك وعلى حين سهوة، تجد أن جميع المشاكل التموينية فى مصر اتحلت!! يا سلام!! حتى أنا كدت أن أصدق أن طائر النهضة قد باض أخيرا تلك البيضة الذهبية التى وعدونا بها. إلا أن جو الأزمة الخانق فى طول البلاد وعرضها يمثل طول الوقت جرسا يحول دون أن نغفو فى تلك الأحلام المصطنعة. إن حادثة واحدة كفيلة بجواب السؤال المهم حول كيف استطاع باسم عودة أن يقضى على تلك الأزمة، وهذا الحادث هو حادث استقالة وزير الثقافة السيد "محمد صابر عرب". والأمر باختصار أنه وقبيل بدء معرض الكتاب السابق طلب السيد الوزير دعما ماليا يقدر ببضعة ملايين جنيه من رئيس الوزراء هشام قنديل، دعما لأنشطة المعرض والذى رفض بالطبع، نظرا للصعوبات التى تمر بها البلاد.. إلخ.. إلخ. وفوجئ عرب بعدها بأيام بنفس رئيس الوزراء يقر لوزير الشباب "الإخواني" أسامة يس دعما هائلا يصل لنصف مليار جنيه. يمكنك هنا فى ضوء هذه الواقعة أن تفسر كيف تختفى الأزمات وتتحقق الإنجازات. العملية ببساطة أن هناك وبناء على تعليمات مباشرة لدولة رئيس الوزراء من الرئيس والذى تلقاها بدوره من رؤسائه بتوجيه كل موارد الوزارة ومصادرها الخفية والمعلنة إلى وزارات معينة. وبهذا يتلقى السادة الوزراء الإخوان إمكانيات هائلة تعوض أى نقص يحدث، مما ينهى الأزمة قبل حدوثها. ولكن القدر أبى إلا أن يضع السيد باسم فى حجمه الحقيقى بعيدا عن كل هذا التضخيم. فالسيد الوزير النشيط رجل الانتخابات الأول يواجه هذه الأيام واحدة من أكبر أزمات المواد التموينية فى تاريخ البلاد، فحتى فى أعتى عصور أزمات السولار لم يكن يختفى فى محافظات كاملة بهذا الشكل، بل إنه وفى يوم 10 مارس الماضى كان الوصول لوزير التموين نفسه أسهل من الوصول للتر واحد من السولار، والسولار أهم من الخبز فى مصر، كيف؟ فأفران الخبز نفسها تعمل بالسولار، عربات نقل السلع تعمل بالسولار، المواصلات العامة "للفقراء" كلها تقريبا تعمل بالسولار، بعض محطات الكهرباء تعمل بالسولار، بعض المصانع تعمل بالسولار، يمكننى أن أستمر أكثر من هذا، وأنت بين احتمالين لا ثالث لهما: الأول أن هذه الأزمة غير مدبرة وهو ما يطيح بكل أساطير الوزير الكفء الرهيب الجامد، ويوضح بشكل قاطع فشله، وفى نفس الوقت يقضى "وهذا هو المهم" على تلك الفرضية القائلة بأنه جوكر الانتخابات القادمة، الثانى أن تكون الأزمة الخانقة مدبرة، فى هذه الحالة يثور سؤال: مَن المدبر؟ الراجح أن يكون "أعداء الإخوان" قد قرأوا نفس قراءة صديقى الخاصة بدور السيد الوزير الانتخابى وقرروا أن يحرقوه بنار السولار، وهو الأمر الذى يعيدنا لنفس المربع الأول، فإن الوزارة التى يتم دفعها بهذا الشكل لأزمة بهذا الحجم لا يمكن أن يكون من يرأسها شخص كفء، والوزير الذى يعد بحل الأزمة لا يعلم أن مافيا السولار هم أنفسهم مافيا البوتاجاز، وأن ما حدث فى السولار سوف يتكرر فى البوتاجاز، ولا شك قريبا والسيد الوزير لا تشغله سوى الكوبونات الآن لأنه حافظ لا يعرف عما يتكلم، فهو يحفظ جميع الأرصدة وعندما تواجهه تفاجأ أنك أمام شخص يكاد يحفظ عدد حبات القمح فى مصر، لكن عندما ووجه بأزمة إدارة حقيقية غرقت البلاد كلها فى أزمة خانقة. التطبيق العملى الذى بين أيدينا الآن أثبت بالدليل القاطع أن طائر النهضة الهزيل لا يبيض. [email protected]