هاتفني الصديق والزميل حسين عبد الغني لأشارك بالتليفون في ندوة للجزيرة مباشر عن " مستقبل الإخوان في مصر " بعد أزمة انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة ، وهو ما دعاني لمتابعة الندوة الطويلة التي بدت وكأن ما يقال فيها هو تحصيل حاصل وتهدئة للنفوس وترضية للخواطر وتربيت علي الأكتاف ليمضي كل إلي حال سبيله وكفي الله المؤمنين القتال . كان ضيوف الحلقة الصديق ضياء رشوان والدكتور عبد المنعم عبد الفتوح والمستشار محمود الخضيري ، وكان هناك مداخلات للمهندس حامد الدفراوي وهو من قدامي الإخوان من الجيل الوسيط في الاسكندرية ، وسكرتير المرشد الإعلامي دكتور جمال نصار وأحد شباب الإخوان وهو إبراهيم الهضيبي والذي يعد أحد العقول المتميزة الجديدة والتي آثرت مغادرة التنظيم كغيرها من العقول الفكرية الكبيرة التي تركت الجماعة والتي مثلت استنزافا لطاقات كبيرة لم تطق صبرا علي ما يجري داخل الجماعة التي وصفها الحضور بأنها أكبر جماعة معارضة في مصر . استرعي انتباهي في الواقع ملاحظات ثلاث رئيسية : الأولي : الخطاب الذي استخدمه سكرتير المرشد الإعلامي حين تحدث عن الجماعة الكبيرة التي ستنقذ مصر والعالم ، بل إنها ستنقذ البشرية كلها ، وهو خطاب فيه قدر من التهويل التي اعتادت الحركات الإسلامية عامة والإخوان علي رأسها أن تستخدمه لصك وضع استثنائي علي المستوي النفسي لأعضائها المنتمين إليها ومن ثم للجماعة ذاتها التي يمكن للعالم أن ينهار إن هي واجهت خطرا أو تعرضت له ، وهنا علي الحركات الإسلامية وعلي رأسها الإخوان المسلمون أن تتعلم التواضع وتعرف حدود إمكانياتها وقدراتها وماهو ممكن وماهو متاح . الثانية : الخطاب الذي استخدمه البرلماني حمدي حسن في مداخلته والتي شن فيها هجوما علي المهندس حامد الدفراوي " الذي قدم باقتدار مكامن خطر نعرفها جميعا في لائحة الإخوان وفي طريقة أدائهم في الانتخابات والتي يغلب عليها التعيين من ناحية والتلاعب بالدوائر والضغط علي المجمع الانتخابي وتوجيهه في جماعة مجمعها الانتخابي ضئيل لا يزيد عن مئة شخص موزعين في مصر كلها ، وكنا سمعنا من أبناء الجماعة في مراحل تاريخية متعددة أن هناك تزوير للانتخابات يتم في الأقاليم والمحافظات . استخدم حمدي حسن كلمة " مشين " ليصف ما قام به المهندس حامد الدفراوي " وهنا الحملة النفسية التي تشنها الجماعة علي مخالفيها وهو مايقود إلي تراجع الفعل النقدي داخل الجماعة ، فكل من ترك الجماعة تعرض لحملة نفسية قد تصل لمستويات ذات طابع مروع ، في كل الانتخابات في العالم يتبادل الناس الاتهامات بالتزوير بصرف النظر عن صحة الاتهامات من خطئها ، ومن الواجب هنا أن تكون هناك هيئة قضائية وقانونية ذات طابع مستقل هي التي تقوم بالفصل في تلك الادعاءات وتكون كلمتها هي النهائية هنا . الثالثة : الخطاب الذي استخدمه عبد المنعم أبو الفتوح والذي بدا خطابا رجراجا الغموض فيه أكثر من الوضوح رغم أننا بإزاء لحظة تاريخية المفروض أن تكون لغته هو واضحة بينة شافية ، بينما كانت علي العكس محيرة غامضة اختلط فيها الخيط الأسود بالأبيض ، هو اعتبر أن الجماعة أسرته وأنه مسئول عن كل الإخوان وغيرها من المقولات التي تظهر أننا بإزاء جماعة تقليدية ذات طابع عائلي وأبوي تتلاشي فيها المسافات والمساحات بين ماهو اجتماعي خاص وأسري وبين ما هو عام يحتاج قدرا من إعلان المواقف وتوضيحها وتحديدها ، ومن ثم فما يقال عن أن هناك تيارا تجديديا أو إصلاحيا أو لديه رؤي للانتقال بالجماعة من طابعها الأبوي التقليدي إلي طابع حديث تتعدد فيه الرؤي والاتجاهات ويتم نقاشها دون خوف أو وجل ومن منظور نقدي هو نوع من التقدير الخاطئ ، فالجماعة خلافها هو خلاف بين الأب وابنه أو بين الزوجة وزوجها هنا سياق عائلي وهو ما يختلف بالطبع عن العمل العام الذي يفترض جدال الرؤي والمواقف والنضال لترسيمها في الحياة والواقع . وبعيدا عن الحلقة فإن البيان الذي ألقاه المرشد السابع حول إعلان النتائج عكس مركزية فعل المرشد فهو من قام بتشكيل لجنة لإجراء الانتخابات وهو من قام بمتابعتها شخصيا وهو من أعلن النتيجة في سياق خطاب يمجد المحنة وأن الجماعة تتعرض للابتلاء وخطاب المحنة هذا هو خطاب مهدوي بمعني أنه يؤجل مواجهة المشاكل ويصادر علي الأصوات التي تنقد وتريد للجماعة أن تنتقل من شأن عائلي إلي شأن عام بحق وحقيق . هناك كلام خطير اشار إليه الرجل الثاني في الجماعة دكتور محمد حبيب ولا يجب أن يمر علينا مرور الكرام هو أن هناك انقلابا عليه وأن الأمن يعرف عن الجماعة أكثر مما يعرف هو نفسه ، ودعا أن يكون هناك مرشد من الخارج . حديث المستشار الخضيري عن أن مستقبل مصر مرهون بجماعة الإخوان كقاطرة للتغيير ، يشير إلي أحد تجليات المأزق الذي تواجهه مصر ، فالجماعة التي لا يمكنها تغيير ما بها صعب عليها تغيير الواقع المحيط بها .