برواتب تصل ل12 ألف جنيه.. العمل تعلن وظائف جديدة بشركة أدوية بالإسماعيلية    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 15 يونيو    واينت: 4 قتلى وعشرات المصابين والمفقودين في بات يام ورحفوت نتيجة الصواريخ الإيرانية    250 مصابا و8 قتلى بصواريخ إيران.. سلطات إسرائيل تقيم مركزا للتعرف على الجثث    "تأثرنا بالرطوبة".. أول تعليق من محمد الشناوي بعد تعادل الأهلي مع إنتر ميامي    اليوم.. انطلاق امتحانات الثانوية العامة 2025    اليوم.. مجلس النواب يناقش مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم الأحد 15 يونيو    دعاء امتحانات الثانوية العامة.. أشهر الأدعية المستحبة للطلاب قبل دخول اللجان    سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 15-6-2025 مع بداية التعاملات    نقابة الموسيقيين تحذر مطربي المهرجانات والشعبي بسبب الراقصات    "زيزو الأعلى".. تعرف على تقييمات لاعبي الأهلي خلال الشوط الأول أمام إنتر ميامي    حقيقة غضب وسام أبوعلى بعد تسديد تريزيجيه ضربة جزاء الأهلي    محافظ قنا يشارك في الاحتفالية الرسمية لاستقبال الأنبا إغناطيوس بالمطرانية    تحذير شديد بشأن حالة الطقس وانخفاض الرؤية: «ترقبوا الطرق»    «المركزى» يُقر خطة تحويل «إنكلود» لأكبر صندوق إقليمي في التكنولوجيا المالية    حارس إنتر ميامي الأفضل في افتتاح مونديال الأندية أمام الأهلي    أنظمة عربية اختارت الوقوف في وجه شعوبها ؟    رقم تاريخي ل زيزو مع الأهلي ضد إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    إعلام إسرائيلي: مصرع 5 وأكثر من 100 مصاب جراء القصف الإيراني على تل أبيب    «زي النهارده».. وفاة وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل 15 يونيو 2009    تجاوز 63%.. مؤشر تشغيل القروض للودائع يواصل التحليق لمستويات غير مسبوقة    السينما والأدب.. أبطال بين الرواية والشاشة لجذب الجمهور    ذكريات مؤثرة لهاني عادل: كنت بابكي وإحنا بنسيب البيت    إصابات واستهداف منشآت استراتيجية.. الصواريخ الإيرانية تصل حيفا    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الموعد المتوقع لإعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025؟.. رابط الاستعلام برقم الجلوس    سبب دمارًا كبيرًا.. شاهد لحظة سقوط صاروخ إيراني في تل أبيب (فيديو)    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    "رفقة سواريز".. أول ظهور لميسي قبل مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    أعراض السكتة القلبية، علامات صامتة لا يجب تجاهلها    سوريا تغلق مجالها الجوي أمام حركة الطيران    السفارة الأمريكية في البحرين تدعو موظفيها إلى توخي الحذر عقب الهجوم على إيران    "العسل المصري".. يارا السكري تبهر متابعيها في أحدث ظهور    القانون يحظر رفع أو عرض العلم المصرى تالفا أو مستهلكا أو باهت الألوان    ضبط كوكتيل مخدرات وأسلحة آلية.. سقوط عصابة «الكيف» في قبضة مباحث دراو بأسوان    إغلاق كلي بطريق الواحات لمدة 5 أيام.. تعرف على الطرق البديلة    بداية العام الهجري الجديد 1447.. عبارات مميزة لرسائل تهنئة وأجمل الأدعية    الجلاد: الحكومة الحالية تفتقر للرؤية السياسية.. والتعديل الوزاري ضرورة    إصابة سيدتين وطفل في انقلاب ملاكي على طريق "أسيوط – الخارجة" بالوادي الجديد    رسميًا بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 15 يونيو 2025    كهرباء قنا تفتتح مركزًا جديدًا لخدمة العملاء وشحن العدادات بمنطقة الثانوية بنات    بمشاركة 20 ألف.. مستقبل وطن يُطلق مؤتمر شباب الدلتا بالإسكندرية    شهادة أم وضابطين وتقارير طبية.. قائمة أدلة تُدين المتهم في واقعة مدرسة الوراق (خاص)    نتناولها يوميًا وترفع من نسبة الإصابة بأمراض الكلى.. أخطر طعام على الكلى    دون أدوية أو جراحة.. 5 طرق طبيعية لتفتيت وعلاج حصوات الكلى    ضمن مبادرة "100 مليون صحة".. صحة الفيوم تقدم خدمات المبادرات الرئاسية لأكثر من 18 ألف مواطن خلال عيد الأضحى    بدأت في القاهرة عام 2020| «سيرة» وانكتبت.. عن شوارع مدن مصر القديمة    أسرار صراع المحتوى «العربي - العبري» في الفضاء الاصطناعي    كأس العالم للأندية| «ريبيرو» يعقد محاضرة فنية للاعبي الأهلي استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي    جامعة بدر تفتح باب التقديم المبكر بكافة الكليات لطلاب الثانوية العامة والأزهري والشهادات المعادلة    النيابة تدشن المرحلة الأولى من منصتها الإلكترونية "نبت" للتوعية الرقمية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    فرصة للراحة والانفصال.. حظ برج الدلو اليوم 15 يونيو    رئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السابق: لا تأثيرات لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية على مصر    سر دموع عبد الفتاح الجرينى على الهواء فى "صندوق الذكريات" ب"آخر الأسبوع"    الهلال الأحمر المصرى: تنظيم حملات توعوية لحث المواطنين على التبرع بالدم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف القعيد يكتب: قراءة الفاتحة على روح الطاهر وطار
نشر في الدستور الأصلي يوم 03 - 09 - 2010

كانت الحداثة قدري ولم يملها أحد عليَّ لم يتمكن من الحضور للدراسة في مصر فراسل مدارسها لدراسة الصحافة والسينما أول من كتب الرواية الجزائرية باللغة العربية في مواجهة الكتابة بالفرنسية أسس الجاحظية الثقافية ليواجه خطر الاحتواء الفرنسي للمجتمع الجزائري
1- الزيتون ورشته
عقدت ورشة الزيتون الإبداعية ندوة في ليلة رمضانية عن «الطاهر وطّار»، ربما كانت الندوة المصرية الوحيدة عن رحيل هذا الكاتب الشامخ الكبير. وكان عقد الندوة أكثر من مهم لتطفئ النيران التي لا تريد أن تنطفئ. أو لا يراد لها أن تنطفئ بين الشعبين العربيين الشقيقين في الجزائر ومصر. تحدث في الندوة شعبان يوسف وسلوي بكر. وألقت سامية أبو زيد بحثاً كتبه الدكتور عمار علي حسن. واستعرض جمال زكي مقار قصص الطاهر وطّار القصيرة. واقترحت هويدا صالح إصدار بيان عن الندوة يؤبن الطاهر وطّار ويناشد عقلاء الأمة إطفاء النيران قبل أن تشتعل، والبحث عن سبل التواصل والمحبة بين شعبين لا يفرق بينهما أي شيء، بل يوحد بينهما الكثير. الشاعرة الجزائرية «حبيبة محمدي» اتصلت بي صباح يوم الندوة لتعتذر بمرضها المفاجئ عن الحضور، وكانت حريصة عليه ليس لأنها جزائرية، ولكن لأنها عربية تحيا في القاهرة وتعيش فيها وتحلم بالوئام والمحبة بين جميع العرب.
2- الموت علينا حق
صباح الجمعة الثالث عشر من أغسطس 2010 الثالث من رمضان في الصباح الباكر، وجدت رسالة من الروائي العربي الأردني «صبحي فحماوي» يطلب مني كتابة كلمة عن «الطاهر وطّار» لمجلة الرواية. كتب لي صبحي فحماوي بالنص يمكنك إرسال عدة أسطر عن الطاهر وطّار لمجلة الرواية ورمضان كريم. صبحي فحماوي. بعده جاءني اتصال من إذاعة سوا من واشنطن كانوا يعرفون الخبر، وكانوا يطلبون تعليقي علي الخبر المحزن، وأنا عندي موقف نفسي من هذه الإذاعة. لإحساسي أنها أسست بعد غزو أمريكا للعراق. لذلك لا أستريح لكثرة التعامل معها.
ومع هذا وبسبب مكانة الراحل في نفسي، ونبرة المذيع المتصل استجبت. كان السؤال خاصاً بالطاهر وطار ووفاته وما يمكن أن أقوله عنه. ثم توالت الاتصالات. جريدة الشرق الأوسط اللندنية، جريدة الدستور المصرية، جريدة المصري اليوم المصرية. قلت ما يمكن قوله في مثل هذه الحالات، لكني جلست أتذكر حكايتي مع الطاهر وطار منذ أولها حتي آخرها.
3- اكتشافه بالقراءة
سألت نفسي: متي رأيت اسم الطاهر وطار لأول مرة؟!. حاولت التذكر. ورغم أنني ريفي وذاكرتي قوية. يحسدني الآخرون عليها. يقولون ذاكرة أفيال. فإن الوهن والضعف بدأ يتسرب إليها، ثم ألم يرد الحسد في القرآن الكريم؟ أنا ومنذ نشأتي الريفية من أشد المؤمنين بالحسد. حتي أساعد نفسي علي التذكر أمسكت ورقة وقلماً باعتبارهما يساعدان الإنسان علي استحضار ذهنه.
كنت في العراق، لحضور مهرجان المربد الشعري، وكانوا يوزعون علينا الكتب الصادرة أخيراً عندهم، عن وزارة الثقافة والإعلام، وبعد عودتي إلي مصر اكتشفت مجموعة من القصص القصيرة عنوانها: الشهداء يعودون هذا الأسبوع، وكانت لكاتبٍ لم أسمع عنه من قبل هو «الطاهر وطار» وقد لاحظت علي مجموعة القصص. والقصة التي تحمل عنوانها كانت أهم القصص. لاحظت عليها الآتي:
أنها مكتوبة باللغة العربية الفصحي، وكنا قد تعودنا علي قراءة الأدب الجزائري للجيل الأول مترجماً إلي اللغة العربية من الفرنسية مباشرة أو عبر لغة ثالثة. كان محمد ديب ومولود فرعون ومولود معمري كلهم يكتبون بالفرنسية. وكانوا يقولون لنا إنهم حزاني، لأن أدبهم ولد في منفي اللغة الفرنسية. لغة المحتل. لكني وجدت نفسي فجأة أمام هذا الكاتب الجديد الذي أقرأ له الطاهر وطار كان يكتب بالعربية مباشرة، لم يكن مكتوباً علي الكتاب أنه مترجم عن الفرنسية. وكانت اللغة ساطعة وجميلة، وتعكس وعياً بالتراث العربي.
الرواية التي قرأتها بعد المجموعة هي: «اللاز» وكانت تدور حول موضوع مهم يعكس أزمة الشخصية الجزائرية، ذلك أن اللاز بطل جزائري يناضل ضد الاستعمار الفرنسي، لكنه شيوعي بداخله تدور حالة من الصراع بين ارتباطه بوطنه الجزائر أو الارتباط الأممي بالحزب الشيوعي الفرنسي، كان من أطروحات منتصف القرن العشرين أن الأممية تسبق الولاء الوطني، كان هذا هو الصراع الجوهري بداخل اللاز.
4- الطاهر وطار لأول مرة
سافرت إلي الجزائر بدعوة من منظمة التحرير الفلسطينية لحضور اجتماعها الذي عقد في الجزائر، دعاني الاختيار وهو المسمي الداخلي ل«ياسر عرفات» قصة هذه الاجتماعات قد تخرجني عن السياق الذي أكتب فيه عن الطاهر وطار. المهم أنه كان ضمن وقائع هذه الزيارة أن قابلنا الأمين العام لجبهة التحرير الجزائرية وهي الجهة التي ناضل الجزائريون تحت مظلتها ضد المحتل الفرنسي، يومها كنت قد عرفت من الطاهر وطار أنه عزل من عمله كمدير لإذاعة الجزائر العربية. وذلك لأنه كان ينتمي في زمن مضي للحزب الشيوعي الجزائري.
وبعد انتهاء اللقاء سألت محمد شريف مساعديه عن أسباب فصل الطاهر وطار. ومازلت أذكر أن المسئول أنكر حكاية إعفاء الطاهر عن منصبه. ثم سألني ما مشكلة الطاهر؟ وقبل أن أجيب عاد يتساءل: لماذا نهتم في مصر بالطاهر لهذا الحد؟ وقبل الإجابة والكلام عنه. قال لي ما تأخذوه معاكم لمصر ويعيش معاكم في مصر من الآن، كان يقلد اللهجة المصرية في الكلام، لكن بدون سخرية ربما كانت محاولة منه للتقرب مني أو منا. فقد كنا وفداً صحفياً مصرياً مهماً. وقد قرر الفلسطينيون عقد هذا اللقاء معه كجزء من إشعار الجزائريين أنهم يقدمون لهم هذه الخدمة، قال لي بلهجة جادة بعد محاولة التفكه في الكلام: نحن لا نريد الطاهر وطار في الجزائر.
لكن لا أنا كنت قادراً علي أخذ الطاهر وطار معي إلي مصر عند العودة. ولا الرجل كلمني بدرجة ما من الوضوح عن مشكلتهم مع الطاهر وطار. وتركته في الجزائر بلا عمل إلي أن هداه الله لتأسيس الجاحظية، وهي جمعية كما يبدو من اسمها تحافظ علي الهوية العربية واللغة العربية والثقافة العربية أمام رياح الفرنسة التي تركها الفرنسيون في الجزائر، وكنت قد لاحظت خلال وجودي في الجزائر أن الفتي الجزائري الذي يمشي في الشارع قد لا يجيد القراءة والكتابة بالعربية. ولكنه يتكلم الفرنسية. ويتكلم العربية، وإن كان لا يعرف كتابة الأبجدية العربية ولا يحفظ من أدبيات العربية أي شيء، ربما كان هذا هو السبب في تركيز الطاهر وطار علي الجاحظية باعتبارها مدخلاً للعروبة.
عندما كان يتكلم أمامي، كان يحاول الاستشهاد بأبيات من تراث الشعر العربي. وكان يردد الكثير من الآيات القرآنية، وكنت تسمع أسماء الصحابة رضوان الله عليهم كرموز ونجوم للواقع الذي يراه، لم تكن حالة من الاستشياخ أو أن يبدو شيخاً في ظل تحولات كثيرة أصابت العديد من المثقفين اليساريين أو الشيوعيين. هكذا كان الطاهر وطار صادقاً مع الطاهر وطار لأبعد حد من الحدود. لم يتحول، لم يتلون، لم ينقلب علي نفسه، لم يحاول إعادة إنتاج نفسه.
مشروع الطاهر وطار الروائي انشغل بقضية تحرير الهوية الجزائرية لتصبح عربيةً بربرية إسلامية، وتصحيح مفهوم الثقافة في الجزائر وتحرير المثقف الجزائري من التعصب. عمل في الصحافة وأسس صحفاً ومجلات عدة، واشتهر بمواقفه اليسارية وبنضاله ودفاعه المستميت عن لغة الضاد. فضلاً عن انتقاداته اللاذعة للتيار الفرانكفوني في الجزائر.
عندما قرأت روايته: الشمعة والدهليز. وكان يناقش فيها قضية احتمال وصول الإسلاميين إلي السلطة في الجزائر، وما الذي يمكن أن يحدث من تداعيات؟ انزعجت من مجرد طرح الفكرة ومن الطاهر وطار تحديداً الرجل الذي كافح وناضل دفاعاً عن احتلال الجزائر ضد الفرنسيين، الفارق الوحيد بيني وبينه أنه لم تكن في حياته تابوهات، ولا أمور يرفض مناقشتها أو تناولها، أو التوقف أمامها، لكنه كان رحباً في الموقف من جميع الأفكار، وكانت لديه شجاعة التعامل معها بصرف النظر عن قبوله لها أو رفضه لمنطلقاتها.
آخر أخباره التي قرأتها في الصحف أنه يعالج في المستشفيات الفرنسية في باريس من مرض عضال، وهو تعبير يقال عادة لمن أصابه مرض لا شفاء منه، ثم صدرت في القاهرة روايته الأخيرة: قصيد في التذلل. ثم جاء خبر رحيله عن الدنيا. رحمه الله رحمةً واسعة.
5- كانت الحداثة قدره
ولد «الطاهر وطار» سنة 1936 في بيئة ريفية وأسرة بربرية. كان جده أمياً. لكن له حضور اجتماعي قوي، فهو الرجل الكبير الذي يقصده كل عابر سبيل حيث يجد المأوي والأكل، وهو صاحب العرش الذي يحتكم عنده كل أبناء الضاحية معا وهو المعارض الدائم لممثلي السلطة الفرنسية، أيضاً فإنه فتح كتاباً لتحفيظ القرآن الكريم بالمجان.
قال عن نفسه إنه ورث عن جده الكرم والإحساس بالكبرياء، وعن والده الزهد والتواضع والقناعة، وعن أمه الطموح والحساسية المرهفة. وعن خاله الذي بدد تركة العائلة الإحساس بالزهو وحب الفن.
التحق بمعهد لحفظ القرآن الكريم، ثم بمدرسة جمعية العلماء سنة 1950، ثم أرسله أبوه إلي القسطنطينية ليتفقه في معهد الإمام عبد الحميد بن باديس في 1952، وفي هذا المعهد انتبه الطاهر إلي ثقافة أخري موازية للفقه ولعلوم الشريعة وهي الأدب. فقرأ: ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، وجبران خليل جبران، وطه حسين، وزكي مبارك، وميخائيل نعيمة.
كان يحلم بالحضور إلي مصر ليتعلم الفنون فيها. لكن الظروف لم تمكنه. فراسل مدارس كثيرة في مصر ليتعلم الصحافة والسينما. وإن كان بسبب قلقه الدائم مثل كل الفنانين الكبار لم يكمل المراسلة حتي نهايتها. قال عن نفسه مبكراً: كانت الحداثة قدري ولم يملها أحد عليَّ.
كتب الطاهر وطار عشر روايات وثلاث مجموعات قصصية وثلاث مسرحيات. من مجموعاته القصصية: دخان من قلبي 1961، الطعنات 1971، الشهداء يعودون هذا الأسبوع 1974، ومن رواياته: عرس بغل 1983، العشق والموت في الزمن الحراشي 1982، الشمعة والدهاليز 1995، الولي الطاهر يعود إلي مقامه الطاهر 1999، الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء 2005، كتب مسرحيتين هما: الضفة الأخري والهارب. هذا علاوة علي عمله الأساسي رواية: اللاز. التي تعتبر مشروع عمره الثقافي حيث كتبها في نقد الثورة الجزائرية ولأول مرة طرحت في الرواية الجزائرية وبجرأة قضية علاقة الشيوعيين بتاريخ التحرر الوطني. تقول الرواية مثلاً إن الشيوعيين ذبحوا في الجزائر. ثم تكمل أن الأمر نفسه حدث في مصر وسوريا وفي غيرهما من البلدان العربية.
6- نداء لفوزي فهمي
أتوجه للدكتور فوزي فهمي. بأمنية أو رجاء أو نداء أتمني لو طبع رواية الطاهر وطار الأخيرة: قصيد في التذلل. التي نشرت وهو علي فراش المرض وقبل وفاته بأيام قليلة. وقد قال قبل أن يموت أخشي ما أخشاه أن يصدر الكتاب بعد وفاتي ويكتب علي غلافه رواية لم تكتمل. وبالمناسبة فالرواية صادرة في مصر عن دار نشر جديدة لا أعرف أصحابها. اسمها: كيان. ونشرها في مكتبة الأسرة يطفئ كثيراً من محاولات إشعال النيران بيننا وبين الشعب الجزائري الشقيق. ثم إن هناك روايتين نشرتا له منذ سنوات في روايات الهلال. هما: الحوات والقصر. ورواية أخري. وله رواية رابعة صدرت عن دار الثقافة الجديدة هي: الحب والموت في الزمن الحراشي وتعتبر الجزء الثاني من رواية عمره: اللاز.
7- سلامات
(1) جمال الغيطاني:
حكت لي أسرة صديق العمر ورفيق الدرب جمال الغيطاني تفاصيل العملية الجراحية التي أجريت له في مستشفي كليفلاند بالولايات المتحدة الأمريكية. واستغرقت أكثر من عشر ساعات. وهي في الحقيقة أربع عمليات متداخلة مع بعضها البعض. كان الأمر أقرب للمعجزة. تناوبوا الكلام. رفيقة عمره ورحلته ماجدة الجندي وابنته ماجدة الغيطاني وابنه محمد الغيطاني. وشقيقه اللواء مهندس: إسماعيل الغيطاني. أيضاً فإن صديقه قبل أن يكون طبيبه الدكتور جلال السعيد كان علي اتصال دائم بي وبالدكتور فوزي أسطفانوس - رئيس قسم التخدير في مستشفي كليفلاند -، والذي كان يتابع حالة جمال لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة. التفاصيل التي استمعت إليها وهي تفاصيل طبية متخصصة كثيرة. لكن المهم أن الرجل يتماثل للشفاء ويستعد للرد علي الاتصالات التليفونية.
وقد انتقل جمال الغيطاني من غرفة العناية المركزة بعد يومين من إجراء العملية. إلي غرفة وسط. ما بين العناية المركزة والغرفة العادية. ثم انتقل بعد يومين آخرين إلي الغرفة العادية التي يستطيع أن يمارس حياته فيها بشكل عادي. لكنه مر بحالة من التهيج عند العبور من أجواء العملية إلي الحياة العادية. والتليفون الوحيد الذي رد عليه كان اتصالاً تليفونياً مع الدكتور جلال السعيد. كان جلال السعيد قد اقترح علي الدكتور فوزي أسطفانوس أن يأخذ معه التليفون المحمول ويدخل غرفة جمال الغيطاني ويجري اتصالاً بينهما. باعتبار أن قواعد مستشفي كليفلاند لا تسمح بالتليفونات للمرضي. وهناك لا توجد وساطات ولا خواطر. لكن جلال السعيد فوجئ باتصال تليفوني من جمال الغيطاني استمر خمس عشرة دقيقة. حكي له بين الكلام والوهن والكلام والتعب والكلام وعدم القدرة علي الاسترسال فيه تفاصيل العملية الجراحية التي تمت له.
(2) بهاء طاهر:
صديقنا الأعز وأخونا الأكبر فاروق القاضي المناضل اليوليوي الذي لم يغيره شيء وصاحب الكتاب المهم: العلمانية هي الحل. الذي نشرته دار العين. فاروق القاضي يداوم الاتصال بي يومياً من عمان في الأردن للسؤال عن حالة جمال الغيطاني. وفاروق القاضي هو الذي أبلغني من عمان في الأردن بوجود بهاء طاهر في جينيف بسويسرا. أجري جراحة في المسالك البولية ويتماثل الآن للشفاء. سافر خلسة أو من وراء ظهورنا. لم يقل لأحد. استفهمت من عبد الله السناوي صديقه الأقرب. حيث تجمعهما جلسات مساء الثلاثاء في مقهي شعبي بحي الزمالك. فأكد لي الأمر.
اتصلت ببهاء طاهر الذي كان حريصاً علي أن يسمع مني ملخصاً لحالة جمال الغيطاني قبل أن يشرح لي حالته. عندما سألته عن موعد العودة لمصر. قال لي عندما يسمح الأطباء له بذلك سيعود فوراً. مشكلة بهاء طاهر الوحيدة التي لم يحكها لي وسمعتها من الأصدقاء أنه نحيف. يمكن أن يقال عنه "جلد علي عضم". والعملية الجراحية جعلته جلدًا تحت العضم. وهو يحاول تدارك الأمر الآن.
(3) محمد جابر غريب:
إنه صديقنا القصاص والروائي محمد جابر غريب. وصاحب ندوة قنديل أم هاشم التي يعقدها علي سور الكتب القديمة في السيدة زينب. وهو أديب وقصاص وصديق لكل الأدباء قبل أن يمتهن حرفة بيع الكتب القديمة. ويتعامل مع الكتب باعتباره قارئاً لها. وعاشقاً لها ولما تحويه من أفكار ومن كلمات. فضلاً عن أنه حكاء عظيم. أحب فيه أنه لم يستبدل الجلباب البلدي بأي بدلة. مع أنه قادر علي ذلك. وربما كانت البدلة العادية أرخص من الجلباب البلدي في أيامنا هذه. لكن محمد جابر غريب لا يريد إعادة إنتاج نفسه أبداً. يريد أن يبقي هو هو.
ذهبت إلي سور السيدة زينب. فعلمت من جيرانه أنه دخل المستشفي وأجري جراحة في القلب. ذهلت. فالرجل لم يبد عليه أنه صاحب علة قلبية. كل ما عرفته منهم أنه مريض بالسكر. ومن لم يمرض بالسكر في مصر الآن؟ اتصلت به. كان صوته واهناً. قلت له حمد الله علي سلامتك. سألته عن مشاكل العلاج المالية. قال لي إن اتحاد الكتاب تولي الأمر كله. وأتمني أن يعود محمد جابر غريب لقنديل أم هاشم. كشك الكتب الذي يوصل من خلاله الثقافة لكل المصريين. والندوة الأسبوعية التي يعقدها يوم الأحد من كل أسبوع علي الرصيف المقابل للكشك. محمد جابر غريب لم يتوقف عن كتابة مقالاته القصيرة عن رموز مصر في جريدة العربي الناصري. بالتحديد في الصفحة التي تشرف عليها وفاء حلمي لكي أكون دقيقاً صفحتان وليست صفحة واحدة. ولم يحدث تخصيص هذه المساحة للأدب والأدباء إلا في العربي الناصري فقط.
8- إليها .. ياأنا
كانت غاضبة بسبب عدم مداومة الكتابة عنها وإليها ولها. قالت في لحظة اندفاع نادرة حتي لو مت لا تتوقف. وكلمة الموت قاصمة وفاصلة للإنسان العادي فما بالك بالمحبين؟ فتحت كتاب طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي وهو كتاب في الألفة والإيلاف. سبق زمانه وسبق عصره وكتبه رجل دين. ومع هذا كان عن الحب. اكتشفت أن الرجل ليس ناثراً جميلاً فقط لكنه شاعر أجمل. قال في الباب العاشر وعنوانه المراسلة:
عزيز علي اليوم قطع كتابكم
ولكنه لم يلف للود قاطع
فآثرت أن يبقي وداد وينمحي
مداد فإن الفرع للأصل تابع
فكم من كتاب فيه ميتة ربه
لم يدره إذ نمقته الأصابع
وله شعر آخر:
جواب أتاني عن كتاب بعثته
فسكن مهتاجاً وهيج ساكناً
سقت بدمع العين لما كتبته
فعال محب ليس في الود خائنا
فما زال ماء العين يمحو سطوره
فيا ماء عيني قد محوت المحاسنا
غداً بدموعي أول الحظ بيننا
وأضحي بدمعي آخر الخط بائناً


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.