فكما أن قامت إسرائيل بتصدير المبيدات السامة إلى مصر في عهد حسني مبارك البائد فقد قامت أيضًا على عينها بصناعة الإعلام الفاسد المجرم وشكلته مباشرة أو من وراء حجاب تشكيلًا يسمح له بأن يعمل بذاته منفردًا حال سقط النظام الحاكم، فربطته بدوائر رجال الأعمال الذين تربطهم بها علاقات عمل مباشرة أو من خلال اتفاقيات المعونة أو الكويز أو التوكيلات التجارية المخصوصة مع شركات مرتبطة به. على مدى ثلاثين عامًا تزرع أجهزة أمن الدولة وكلاءها في التليفزيون والإذاعة الرسميين، واستمرت تغرس شجرة خبيثة جديدة في كل يوم حتي صار مبني الإذاعة والتليفزيون المصري أشبه "بغرزة" كبيرة تجمع كل أنواع الخبائث الجهل والعمالة والدعارة ووقف على رأس الجهاز لمدة زادت على العشرين عامًا وأحد من أكبر القوادين في التاريخ العربي الحديث، فاستغل المذكور جلافة العرب البتروليين وحداثة عهدهم بالحضارة وشاشات العرض وقام بإنشاء أول مصيدة نسائية دولية عربية كانوا أسعد ما كانوا عندما يقعون فيها، واتسعت المصيدة وتشعبت الشبكة فشملت الإنتاج الإعلامي بالتليفزيون المصري واختلط الإعلام بالسينما فهي مذيعة ومعدة برامج وممثلة وبعد أن تصبح غنية لعلاقتها البريئة بالإخوة العرب تصبح منتجة أو صاحبة شركات تجارية وقد صارت ذات سطوة ونفوذ فتقوم بتعيين أقاربها وقريباتها في "التكية" الإعلامية، ثم جاء عهد الشرطة وأصبح "البهوات" أصحاب الكلمة الأخيرة في التعيينات داخل التليفزيون واشترك معهم البهوات في السلطة والبهوات في البزنس وهكذا تكون الإعلام على مدي الثلاثين عامًا من طبقة لصيقة بالنظام لا يشذ عن ذلك فنيو الصوت ولا المصورون ولا السعاة ولا الكناسون.. الجميع ينتمي بدرجة ما إلى جهاز تصدير الدعارة الأول في مصر والعالم العربي على جميع المستويات. لم يعد التليفزيون كما كان في الماضي جهازًا نشاهد من خلاله مسلسل الدوامة أو مبارة الأهلي وكوتوكو ثم ننام، وإنما أصبح جزءًا من البيئة التي تحيطنا رغمًا عنّا كالماء والهواء والأمراض والذباب، لم تعد خياراتنا في أن نغشاه أو نصد عنه خيارات مفتوحه، لم يعد لنا أن نمنع بسهولة أطفالنا من رؤية مشاهد الاغتصاب أو غيرها من المشاهد التي أهدرت براءة شطر كبير من طفولة الشعب المصري. في عام 1995 صدم العرب جميعًا عندما بثت قناة الجزيرة برامجها متحدثة عن فضائح الأنظمة العربية، ولم يصدق المصريون آذانهم وأعينهم وهم يشاهدون برامج المواجهة الحوارية التي يتحدث فيها المعارضون كيفما شاءوا عن حسني مبارك وأسرته ونفس الحال كان بالنسبة لكثير من الشعوب العربية الأخرى ومع الوقت صرنا إلى عدد ضخم من الفضائيات المصرية كان نواة العاملين فيها فسائل اجتزئت من التليفزيون المصري مفرزة نفس النبات الخبيث الذي كان أول مرة والذي قام على الدعارة والبغاء والعمالة والإلتصاق بجماعات المصالح. واليوم نقف بعد الثورة عاجزين بالكلية عن خلخلة الرابطة الكربونية الثلاثية القوية داخل جهاز الإعلام التي استهل عهد الوزير الجديد بقطع التيار الكهربائي عن كل التليفزيون المصري إنذارًا وتحذيرًا له من أن يظن أن ثمة تغييرًا يمكن أن يكون في المنظومة التي تتحرك منفردة وعلى استقلال من خلال التواصل مع الخارج مباشرة باعتبارها الأهم على الإطلاق لكل أعداء مصر. إنني أختلف كثيرًا مع القائلين أن قنوات الفلول والجواسيس والمتهربين من الضرائب هي الأخطر لأن متابعي التليفزيون المصري يعرفون جيدًا أن بذور الفساد الأصلية إنما تأتي من ماسبيرو ثم تنتشر إلى هناك في مدينة الإنتاج الإعلامي. غير أن التسارع والمنافسة وسباق الزمن الذي يستعر بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة واستغلال قوى الثورة المضادة لبعض رجال ونساء الدعاية "وليس الإعلام" لخلق مظهر سياسي أو اقتصادي أو قانوني يغطون به سوءات المفسدين أو التغطية على إصلاح القائمين على الحكم تنفيرًا من الثورة وتسفيهًا للثوار وامتد الأمر إلى حال إشعال الفتن والنبوءة بالحرائق كما حدث مع المجمع العلمي من خيري رمضان ولميس الحديدي. ليس لمن يتعجب من نسبة الدعارة إلي الإعلام المصري سوي أن يراجع ما قالته مذيعة تعمل في فضائية لرجل أعمال عميل وجاسوس رسمي عندما أفردت حلقة كاملة تدافع فيها عن البوس والأحضان في المشاهد السينمائية عندما قرر وزير الإعلام بعد الثورة تخفيض عدد المشاهد التي تحتوي "بوسا وأحضانا" ثم أعقبتها زميلتها بالتعليق على إشارة الرئيس لأصابع خارجية تعبث في مصر عندما حاولت السخرية من ذلك بطريقة "شوارعية" وجنسية ومن ذلك الكثير والكثير في فضائيات ورثت الدعارة كابرًا عن كابر. إن المشرع يبدو وكأنه لا يعيش حالة مصرية عندما يترك ذلك التلوث الإعلامي يعبث بعقول المصريين ليل نهار تحت ستار الحرية التي تتبرأ من هكذا إسفاف ليس في مصر فقط وإنما في كل مجتمع متحضر يحترم الأسس والثوابت التي تدعم وجوده وبقاءه. [email protected]