منذ بضعة شهور انصدعت قلوبنا حزناً لحادثة اغتيال الصيدلانية المصرية المؤمنة مروة الشربينى، ومنذ أيام قلائل صوت الناخبون السويسريون لصالح حظر بناء المآذن. وكالعادة سوف تتعالى أصواتنا، و يرتفع صراخنا إلى حين، وبعد فترة قصيرة سوف ننسى، وتعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل. و السؤال الأساسى الحقيقى الذى يجب علينا أن نطرحه هو: ماذا قدمنا نحن للعالم المتمدين خلال العشرين سنة الأخيرة لكى نعرفه بحضارتنا الإسلامية العريقة بصفة عامة، و بتراثنا المصرى الأصيل بصفة خاصة؟ إن ما يجب علينا أن ندركه هو أن ساكنى هذا الكوكب فى غالبيتهم هم مواطنون بسطاء طيبو القلب أكثر ما يعنيهم بالدرجة الأولى هو العيش فى صفاء و وئام مع الآخرين، وتوفير مستوى مقبول من الحياة الكريمة لأنفسهم و لأسرهم. و الحقيقة الثانية هى أن غالبية هؤلاء الأفراد لا يعرفون شيئاً يذكر عن الإسلام سوى أن المسلمين هم أناس يصومون فى شهر رمضان، ولا يشربون الخمر. وقد عشت قرابة 7 أعوام فى اليابان أدركت من خلالها بضعة أمور تقف وراء كثير من المشكلات التى يواجهها المسلمون المعاصرون. و أول هذه الأمور هو عجز الدول الإسلامية عن تعريف الشعوب غير المسلمة بعظمة الحضارة الإسلامية. ويرجع ذلك إلى عدم استفادة الدول الإسلامية من منجزات ثورة المعلومات و الإعلام فى تبصير تلك الشعوب برقى و تمدين ثقافتنا الإسلامية الموغلة فى القدم. فإذا نظرنا إلى القنوات الفضائية العربية سوف نجد أن هناك أكثر من 600 قناة فضائية ناطقة بالعربية وموجهه بالأساس للشعوب العربية، كما سنجد أن غالبية هذه القنوات الفضائية هى قنوات غنائية و ترفيهية . و السؤال هو كم قناة فضائية عربية تبث برامجها باللغات الإنجليزية والفرنسية و الأسبانية و الصينية و الألمانية و اليابانية؟ و الإجابة ببساطة صفر. إن كثيراً من مواطنى الدول غير المسلمة لا يفهمون سوى لغتهم الأم. فهل توجد قنوات فضائية عربية تقدم برامجها عن عظمة الحضارة الإسلامية ، و عن عراقة موروثنا الحضارى المصرى بتلك اللغات الأجنبية؟ لقد أدركت أمريكا و إنجلترا والصين بل وحتى تركيا أهمية الإعلام فى تحقيق مصالحها السياسية و الاقتصادية فدشنت قنوات فضائية بلغات أجنبية متعددة منها العربية لكى تخاطب الشعوب الأخرى، فأين القنوات الفضائية المتخصصة التى تقدم للعالم حقيقة الإسلام و رونقه الحضارى، وجوهره الفعلى الثمين بلغات أجنبية تخاطب المواطن العادى غير العربى وغير المسلم بلغته الأم التى يفهمها؟ والسؤال الثانى المهم هو: كم من المواقع على صفحات الإنترنت تعرف الشعوب الأخرى بالإسلام، وبنظرة الإسلام الراقية إلى المرأة، و بتسامح الإسلام ودعوته للسلام و المحبة، وبكيفية تعامل الإسلام مع أصحاب الديانات الأخرى، وبوجهة النظر الإسلامية نحو قضايا الحرية و المساواة والديمقراطية والعلم والتمدين؟ إن غالبية المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت مكتوبة باللغة العربية . أى أن من لا يقرأ العربية و لا يفهمها لن يستطيع الإبحار فى فى محيطات الثقافة الإسلامية، و لن يستطيع دراسة تلك الجواهر الوضاءة التى تزخر بها و تفيض حضارتنا العربية التليدة. و السؤال هو أين المواقع الإسلامية التى تستعرض التوجهات الإسلامية الصافية نحو قضية العدالة و الديمقراطية باللغات الإنجليزية أو الأسبانية أو الألمانية مثلاً؟ والسؤال الثالث المحورى الذى ينبغى علينا طرحه هو : أين هى المراكز الثقافية الإسلامية فى الخارج التى لا تقدم الإسلام كديانة فقط ولكن كتراث ثقافى وحضارى ممتد عبر قرون عدة بلغات أهل البلاد الذين يعيشون بين ظهرانيهم؟ إن دولة مثل اليابان يسكنها 127 مليون نسمة، ومع هذا فلا يوجد بها سوى مركزين إسلاميين اثنين فقط. فهل يكفى هذان المركزان الاثنان لتعريف الشعب اليابانى المتحضر بعظمة ديننا الإسلامى أو بعراقة تاريخنا المصرى الأصيل؟ أين هى المراكز الثقافية المصرية فى دول مثل اليابان والصين وألمانيا و سويسرا و الدانمرك و بولندا و المجر و البرازيل و الأرجنتين؟ هل توجد مراكز ثقافية مصرية تعرف ساكنى الدول السابق ذكرها بعظمة حضارتنا المصرية منذ فجر التاريخ مروراً بالعصور الوسطى و حتى الوقت الراهن؟ إن أوربا بأكملها لا يوجد بها سوى مركزين ثقافيين مصريين اثنين: الأول فى روما بإيطاليا، والثانى فى مدريد بأسبانيا. هل لنا أن نتخيل أن دولة مثل اليابان صاحبة ثانى أكبر اقتصاد فى العالم لا يوجد بها مركز ثقافى مصرى. هل نعرف أن دولة مثل الصين و التى تضم 20% من سكان العالم لا يوجد بها مركز ثقافى مصرى واحد؟ إن ما يثير العجب هو عدم وجود مركز ثقافى مصرى فى ألمانيا التى تعد الاقتصاد الرابع على مستوى العالم. أين المراكز الثقافية المصرية فى هذه الدول؟ إننا نحتاج إلى أن نعرف شعوب هذه الدول بتراثنا الثقافى المصرى بروافده المتعددة الفرعونية والقبطية و الإسلامية حرصاً على مصالحنا السياسية و الاقتصادية فى تلك الدول. والسؤال الرابع الذى ينبغى أن نطرحه على أنفسنا بصدق هو : كم عدد الكتب التى تتحدث عن حضارتنا الإسلامية و التى قمنا نحن كدول إسلامية بترجمتها إلى اللغات الأسبانية و الروسية و الألمانية و الصينية و اليابانية؟ هل نقوم نحن كدول إسلامية بترجمة سنوية منتظمة لعدد من الكتب و توزيعها على الدول غير المسلمة لكى نقدم لها بلغاتها التى تفهمها معيناً صافياً عن كنوزنا الحضارية المخبؤة ؟ إن الإجابة على تلك الأسئلة الأربعة سوف توضح لنا كم نحن مقصرون بشدة فى حق أنفسنا أولاً، وفى حق غيرنا من الشعوب الأخرى ثانياً. إننا ببساطة قد فشلنا فى تعريف الآخرين بقيمنا وحضارتنا وتراثنا وثقافتنا، ثم جلسنا نصرخ حيناً ونبكى على الأطلال فى أحيان أخر. إن التغلب على النظرة السلبية التى ينظر بها الآخرون لنا يتطلب منا إجراء نقد حقيقى للذات لكى ندرك أخطائنا ثم نقوم بتصحيحها. ترى هل سوف ننظر إلى أخطائنا برؤية موضوعية ثم ننطلق للتغلب عليها وفقاً لمنظور استراتيجى طويل المدى بعيداً عن الانفعال الوقتى و العواطف الآنية؟ هذا ما نؤمله جميعاً. *- دكتوراة فى الاقتصاد و العلوم السياسية- اليابان