الناظر المحلل لما يحدث في بلدنا بعد الثورة , يجد أن كل الإحداث السلبية - على الرغم من بشاعة بعضها - إلا أنها - من المفترض- متوقعة , و لا تعدوا إلا مجرد آلام النقاهة التي يعانيها الوطن بعد عملية جراحية استغرقت 18 يوماً ! استأصل بها ورم خبيث سيطر على الجسد المصري نيف وستين عاماً . فالبؤر السرطانية التي بثها الورم في ربوع مصر لم تستأصل جراحياً مع الورم الأصلي , و إن لم تتعرض لعلاج كيماوي وإشعاعي يقضي عليها -وإن تأثرت خلايا الجسد جراء ذلك - أعادت أي خلية منا الورم السرطاني مرة أخرى وبشكل أشد شراسة وفتكاً !! ما علاقة الكلام السابق بعنوان المقال ؟! أقول بحول الله , أن الدور الذي تلعبه البؤر السرطانية ( الثورة المضادة ) يتميز بالآتي : - أولاً تنوع الأسلوب لتنوع المشارب , فهي عبارة عن أفراد وتكتلات ارتبطت بالنظام السابق بصور مختلفة من المصالح ( مثال : الفلول المال والسلطة , و العلمانيين حجب الشريعة , و اليساريين المنابر الثقافية, و الصهيو أمريكيين حماية مصالح إسرائيل , وأخيراً الكنيسة غض الطرف عن قيامهم ببناء دولة داخل الدولة ) - ثانياً : انتشارها في ربوع مصر وفي كافة مؤسسات الدولة ( خصوصاً الحساسة كالداخلية والقضاء ) وساهم في ذلك طول الفترة الزمنية التي تولى فيها النظام السابق سدة الحكم . - ثالثاً : قوة الآلة الإعلامية الحبارة المقروءة والمسموعة والمرئيةالتي تستغلها هذه ( البؤر ) لقلب الحقائق ,وتكفير الناس بالثورة , و مناهضة و تشويه النظام الشرعي (الذي أتت به الثورة) . وساهم في ذلك منع الإسلاميين جميعاً بل والشرفاء من السياسيين كذلك من مجرد الاقتراب من كل المنابر الإعلامية , بالإضافة إلى تجفيف مصادر تمويلهم . كل هذا احتاج من النظام الذي يمسك بزمام الحكم في هذه الفترة العصيبة (ليستطيع ضرب هذه البؤر بدقة ودون أن ينهار كيان الدولة ) أن يتمتع بقدرة بالغة على امتصاص الصدمات المتتالية لتملكه تنظيم شديد التماسك يرتبط فيه القواعد بقوة مع القيادات , و و انتشاره في ربوع البلد , واستيعابه لطبقات مختلفة من الأنصار ( في المستوى الاجتماعي ) بالإضافة لعدد غير محدود من المتخصصين , واعتياده العمل تحت مختلف الضغوط . كل هذه الخصائص - على صعوبة تجمعها جميعاً - وجدت بنسبة كبيرة في تنظيم الإخوان بصورة لا تتوفر لباقي القوى والتيارات . فكان من حسن أقدار الله أن تتدرب الإخوان جيداً - في صراعهم الطويل مع الأنظمة المتلاحقة -للتجهز لمثل هذه الأيام . فلم يكن من المستغرب أن يتصدروا هم المشهد متقلدين أغلب المقاعد في كافة الانتخبات التي أجريت تشريعية كانت أو رئاسية , جامعية كانت أو نقابية , بل وحتى الطلابية !! متجاوزين كل منافسيهم ( ولعل حادثة دخول الدكتور مرسي متأخراً جداً للسباق الرئاسي وفوزه الكبير عن أقرب منافسيه -من غير الفلول - برغم الحملة الرهيبة التي حورب بها وكونه بديل المرشح الأساسي ,فين حين أن تيارات أخرى لم تستطع حتى تقديم مرشح من أفرادها !! لعل في ذلك خير دليل ) وظهر ذلك أيضاً في جلاء في أحداث المقطم ومن قبلها الاتحادية ,التي ضربت تنظيم الإخوان بمنتهى العنف والدموية دون أي يهتز الصف الإخواني ولو بصورة بسيطة!! بفضل الله . فحق للشعب المصري أن يحمد الله على ذلك !! هذا فيما يتعلق بالشطر الأول من العنوان . أما بالنسة للشطر الثاني , فهو كون هذه الصدمات تعطي مقياساً دقيقاً لقيادات التنظيم على مدى قوة وتماسك الصف , كما أنها تشي بقرب خلو جعبة الثورة المضادة كونها لجأت للعنف المباشر . الأهم من كل ذلك , أن الإخوان استطاعوا بعد الثورة أن يكسبوا لمشروعهم الذي يدعون إليه , مكاسب جمة . لعل من أهمها الدخول إلى أغلب مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية التي كانت محرمة عليهم ( عدا القضاء والجيش والداخلية , والإعلام بقدر أقل ) فصار رئيس البلاد منهم , وكذلك الحكومة والمجلس التشريعي والنقابات والجامعات والمساجد والصحف وبعض القنوات الفضائية . ولم يبق لهم من منغص إلا البلطجية (اليد الضاربة للفول ) , و الموالين للنظام السابق من الداخلية و القضاء والإعلام . وسأكتفي بالحديث فقط عن الإعلام لعدم اتساع المجال , فقد استطاع أن ينشر العديد من الصور المنفرة للإخوان لدى الرأي العام ( كالمليشيات , والتسلح و انتهاج العنف , و استغلال مؤسسات الدولة لصالح تنظيمهم ,.. إلخ ) وبذلوا مجهودات جبارة ليرسخوا هذه القناعات لدى الرأي العام , لتأتي أحداث الاتحادية والمقطم لتهدم هذه القناعات من الأساس -ولو داخل العقل الباطن الجمعي للرأي العام- بأقل مجهود من الخطاب الإعلامي الإخواني . وهذا الشطر الأخير من عنون مقالي ... أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]