هارون الرشيد هو الخليفة العباسي الخامس، ومن أشهر وأعظم الخلفاء في تاريخ الإسلام بصفة عامة، عاش في العراق وحكم بين عامي 786 و 809 م. ولد عام 766م، والده كان الخليفة المهدي، ووالدته هي الخيزران بنت عطاء، وهو أكثر الخلفاء العباسيين جدلًا خلال فترة حكمة، حيث قيل إنه من أكثر خلفاء الدولة العباسية جهادًا وغزوًا واهتمامًا بالعلم والعلماء، وعرف عنه أنه الخليفة الذي يحج عامًا ويغزو عامًا، ويعتبر عهده العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية. توفي في 3 جمادى الآخر 193ه، الموافق لمثل هذا اليوم عام 809م، بعد أن قضى في الخلافة أكثر من ثلاث وعشرين سنة، وتعتبر هذه الفترة هي العصر الذهبي للدولة العباسية، وقبره مجهول حتى اليوم. بويع الرشيد بالخلافة في 14 ربيع الأول سنة 170ه (14 سبتمبر 786م)، بعد وفاة أخيه موسى الهادي، وكانت الدولة العباسية حين آلت خلافتها إليه مترامية الأطراف متباعدة، تمتد من وسط آسيا حتى المحيط الأطلنطي، معرضة لظهور الفتن والثورات، تحتاج إلى قيادة حكيمة وحاسمة يفرض سلطانها الأمن والسلام، وتنهض سياستها بالبلاد، وكان الرشيد أهلًا لهذه المهمة الصعبة، في وقت كانت فيه وسائل الاتصال صعبة، ومتابعة الأمور شاقة. بتولي الرشيد الحكم بدأ عصرًا زاهرًا كان واسطة العقد في تاريخ الدولة العباسية، التي دامت أكثر من خمسة قرون، ارتقت فيها العلوم، وسمت الفنون والآداب، وعمَ الرخاء ربوع الدولة الإسلامية، ولقد أمسك هارون الرشيد بزمام هذه الدولة وهو في نحو الخامسة والعشرين من عمره، فأخذ بيدها إلى ما أبهر الناس من مجدها وقوتها وازدهار حضارتها، كما اتخذ الرشيد الرقة عاصمة له بين عامي 799 و800م. أنشأ ما يعرف ب "بيت الحكمة" في بغداد، وزودها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات من مختلف بقاع الأرض، وكانت تضم غرفًا عديدة تمتد بينها أروقة طويلة، وخصصت بعضها للكتب، وبعضها للمحاضرات، وبعضها الآخر للناسخين والمترجمين والمجلدين، وغدت بغداد في عهده قبلة لطلاب العلم من جميع البلاد، يرحلون إليها حيث كثر فيها الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين، وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية، التي كان كثير منها أشبه بالمدارس العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الرأي والمناقشة، وثراء الجدل والحوار. كما جذبت المدينة الأطباء والمهندسين وسائر الصناع، وكان الرشيد نفسه يميل إلى أهل الأدب والفقه والعلم، حتى ذاع صيت الرشيد وطبق الآفاق ذكره، وأرسلت بلاد الهند والصين وأوروبا رسلها إلى بلاطه تخطب وده، وتطلب صداقته.