أسوأ الحروب .. في عصرنا هذا هي تلك التي لا يعرف أطرافها لماذا يخوضونها من الأساس .. وما هي أهدافهم التي على أساسها سيجرى تقييم نتائج هذه الحرب وحساب مكاسبها أو خسائرها.. والإعلام المصري وخصوصا الفضائيات باتت مؤخرا ساحة وميدانا لكثير من تلك الحروب التي يخوضها كثيرون جدا دون أن يتوقف أحد منهم ليسأل نفسه!! لماذا هذه الحرب !! وما هي دوافعها ومقاصدها والذي يريده منها بالضبط كل طرف من الأطراف المتحاربة !! وأغلب الظن أن معظم الذين خاضوا تلك الحروب لم يكونوا يقصدون أيا من الذين أطلقوا عليهم قذائفهم في الظاهر أو بنوا من أجلهم حوائط الصد والحماية.. وإنما كان الإعلام في تلك النزاعات والحروب هو الستار الذي توارت وراءه النوايا والمقاصد الحقيقية.. المصريون القدماء لم يخلفوا وراءهم مجرد تماثيل وأهرامات ومعابد وإمبراطوريات انتقلت من ضفاف النيل لتعيش باقي أيامها في صفحات التاريخ.. لكنهم تركوا للعالم كله ما هو أهم وأبقى.. فقد اخترعوا الضمير والفضيلة والأخلاق . ظهر الصراع الذي بدأ خفيا.. حتي اندلعت شرارة الحرب فيما بينهم.. بشكل مباشر وغير مباشر علي طريقة "اضرب.. واجري".. ويحاول كل مذيع ومقدم برامج أن يظهر علامات المودة واحترام الرأي الآخر.. في حين يضمر بعضهم للبعض الآخر كل الحقد والحسد والكراهية ولو من خلف الكاميرا وبالتالي ينعكس هذا الأمر علي ما يتناوله كل منهم من أخبار وموضوعات وأحداث يسير بها في الاتجاه الذي يريده سواء ضد أشخاص معينين أو أندية بذاتها. لا أنكر وجود قلة من مقدمي البرامج الذين يحترمهم المشاهد ويقدرهم بسبب موضوعيتهم واحترامهم لأنفسهم.. وعلي النقيض من ذلك هناك من يبدو وكأنه وصيا علي الناس وعلي الرياضة والرياضيين.. يسعى لفرد عضلاته ولسان حاله يقول.. أنا وبس .. أعرف كل الخفايا والأسرار. الفضائيات للأسف أصبحت وقودا للنار والمحرك لكل المشاكل في الوسط الرياضي بصفة عامة.... لأن بعض من الذين صادفهم الحظ وامسكوا بالميكروفون.. لا يدركون مدي حجم المسئولية تجاه المشاهدين والجماهير.. فأحياناً نشاهدهم يتحدثون وكأنهم قضاة يصدرون الأحكام لكنها من دون سند أو دليل وأحياناً أخري وكأنهم جلادون ينفذون العقوبة علي الهواء مباشرا دون يقين ولا سند .. وهذا ما يجعلنا نترحم علي النقد البناء ونحذر من وقوع الكوارث الفضائية. الوسط الإعلامي الرياضي تحول فجأة إلى ما يشبه السوق الشعبية الذي يحاول فيه كل بائع النداء على بضاعته بأعلى صوته ولو عن طريق إحداث الضجيج والعويل لمجرد لفت الأنظار إليه قبل أن يطرح أي منا تساؤلاته حول أخلاقنا ولماذا.. وإلى أي مدى تغيرت وتبدلت.. لابد أن نتوقف أولا لنتناقش ونختلف قبل أن نتفق على أخلاقنا التي كانت.. فنحن المصريين.. المهووسين بالتاريخ والحكايات والصور القديمة.. نحفظ أو نتظاهر بذلك التاريخ العظيم لبلادنا.. المعارك والحروب وخيبة الأمل جاءت أخيرا من الجانب كبار رموز إعلاميه في صراع داخلي حول كيفية تأهل المنتخب المصري للمونديال رغم أن قواعد الاتحاد الدولي واضحة ومعلنة للجميع. بل ووصل الأمر إلى سباب وتبادل اتهامات بالجهل على الشاشات وأمام ملايين المشاهدين، دون مراعاة للمصداقية والحيادية أو حتى وحدة الصف. من الطبيعي في العمل الإعلامي أن نقع في بعض الأخطاء نتيجة تعجلنا في إخبار الجماهير بالمعلومة قبل الجميع والحصول على السبق، ولكن العيب ألا يعترف المخطئ بخطاه ويكابر ويتهم غيره بالجهل أو الكذب.هكذا حال المصريين لا يعترف احد بخطئة وهذه هي المصيبة بل ويصل الأمر إلى أن يخرج علينا مسئول إعلامي لاتحاد الكرة يتهم الاتحاد الدولي بالتواطؤ وإصدار قوانيين "مطاطية" بل ويتهم إعلامي آخر بأنه من حرض الفيفا على إصدار لائحة المباراة الفاصلة، رغم أن اللائحة وضعت منذ عام !! ومن غير المقبول أن يرد كل طرف على الآخر في برنامجه "الملاكي" يرمي عليه بأبشع الألفاظ لمجرد الاختلاف في الرأي أو المصالح المتضاربة أو حتى توضيح أنه من انفرد بالخبر قبل غيره. وما بين الشد والجذب والسباب والاتهام والعويل ضاع المشاهد والمتلقي، وأصيب العديد من المتفرجين بالإحباط، وفقد الكثير منهم ثقته في تلك الوسائل بل و شوهة صورة الإعلام المحترم ليصبح الجميع محل انتقاد. الإعلام خدمة يا سادة وليس سلعة، ويجب على من يعمل به من غير دارسيه أن يفهم قواعده جيدا، فليس مجرد الانفراد بخبر يضعك في المقدمة، وليس امتلاكك لمعلومة من مصدر "مصلحة" بحكم عملك يجعلك الأفضل. ملحوظة أخيرة: أتعجب على حال بلدنا العزيز علينا مصر التي أصبح فيها أشباه لاعبي الكرة المعتزلين والأطباء ولواءات الشرطة المحالين علي المعاش وصابغي الشعور رموز للإعلام وسط تجاهل تام لأهل العلم والمعرفة حسبي الله ونعم الوكيل في بلد ملهاش كبير والكل بينهب و مفيش رقيب غيرك يا رب .