يجب أن يكون واضحًا للعيان, ولكل ذي بصر وبصيرة, ولكل عاقل متزن يدرك الأمور ودهاليز باطن الأمور لا ظاهرها, أن هناك قوى خارجية تخطط وتنظر وتسهر على إشعال نار الفتنة بين العرب والمسلمين, وأملها أن تنجح في تكريس ذلك في الديار العربية, خدمة لمصالحها وأهدافها الآنية والمتوسطة والمستقبلية - أما العرب فكما هم سيظلون حطبًا ووقودًا لاستخدامهم في إذكاء نار الحريق كلما دعت الضرورة إلى ذالك- وليس لعيون أو لسواد هذه الأمة المسكينة والمغلوبة على أمرها لأنها أهانت نفسها فهانت على غيرها, وأنجع بل وأسهل طريق لها فيما تعيشه الأمة العربية الآن من حيرة من أمرها, أن تحول الاختلافات بين زيد... وعمرو.... إلى خلاف مذهبي عقيدي بالإضافة إلى الأوضاع القائمة وهى لا تخفى على أحد فتعمل على نصرة أحدهما بما تملك من ترسانة ووسائل الدعاية والإشهار مشهرة بالثاني واصفة إياه بأقبح النعوت, فيندفع هذا الآخر للتباري والرد والاستعداد لخوض المعارك بل أستطيع القول إنها مهالك محدقة وماحقة للجميع, والجميع ساقط وخسران في هذه المعارك أو المهالك, ولن يستفيد منها إلا ما تعرفه أنت وأنا والجميع. إنه لمن المستغرب جدًا أن توظف هذه الاختلافات بين المسلمين التي كان من الممكن أن تكون مخزونًا وثروة مباركة في الموروث الفكري الإسلامي إلى جدل عقيم وتنابزب الألقاب وتراشق بالتهم والرصاص والاستعدادات للحروب المهلكة التي لن تبقي ولن تذر, حيث ستعاني منها الأمة كل الأمة ردحًا من الزمن, وهذا كله يصب في تهميش القضايا المصيرية التي ناضل من أجلها الجميع, ولعل خطورة هذا الارتداد والانهيار لا يقتصر على القضايا المصيرية للأمة, بل ينسحب على الشخصية العربية ليخربها من الداخل ويفرغها من محتواها ومقوماتها الفكرية والنفسية والحضارية ومبادئها وموقعها وأبعادها بالتالي عن أخذ دورها في مجتمعاتها وفي مجتمعها العالمي وفي صنع حياتها ومستقبلها. إن الهزائم التي لحقت بالعرب لا تساوي شيئًا بالنظر إلى ما نحن فيه الآن من الهزائم النفسية التي بدأت تسكن أعماق العرب وترفرف بظلالها وقتامتها على الوطن العربي الكبير, هذا النهج في التفكير لبعض القوى في منطقتنا العربية سيكرس النزاع ويفرق الجميع شيعًا وأحزابًا وأفكارًا وسيؤدى بنا إلى مستنقع الدماء والفتن والحزازات التي لا تخدم إلا مصلحة خصوم الأمة, وأستطيع القول بأن خصوم الخارج وجدوا فرصة ذهبية سانحة لهم الآن, قدمت لهم على طبق من ذهب بفضل قصر نظر البعض والسير على غير هدى لدى البعض من أبناء هذه الأمة, هذه الفرصة لم يكن يحلم بها الخصوم من قبل ولا من بعد حيث حاولوا مرارًا وتكرارًا تنفيذها. إن الاختلاف في منهج الإصلاح أو التغيير أو الرأي أو في الفكر أو في المنهج تحول بفعل فاعل وبقدرة قادر وبقصر نظرنا وبعنجهيتنا وبفلسفتنا من اختلاف فى الرأي والتوجه والتغيير والإصلاح إلى مشكلة أعقد من ذلك وهى "الاختلافات المذهبية" التي انتهت بالأمة إلى ما نحن فيه من انقسام وتشرذم وعداء وتربص وحرب, وستقسم الأمة لا قدر الله إلى أكثر مما هي منقسمة عن نفسها. تقسيم المقسم, وتجزئة المجزأ, ومزيد من الانقسام والفرقة والتباغض والتنافر والتحالفات لا من أجل الاتفاق على مصير مشترك واحد أو عملة واحدة أو على اتحاد عربي واحد أو برلماني عربي واحد أو سوق عربية مشتركة أو التبادل التجاري الحر بين الدول العربية أو العيش المشترك بين أبناء مكونات الأمة الواحدة, أو العمل على ما يخدم الأوطان وشعوب المنطقة أو فتح الحدود بين البلدان العربية وإلغاء التأشيرات, وتبادل المنافع بين أبناء الوطن العربي وشعوبها, وبدء الحوار بين الشعوب العربية وبين المذاهب المتنوعة على امتداد الوطن العربي لإصلاح ما أفسده الدهر, أو ما أفسدناه بالأحرى نحن بأيدينا, وكما يقال وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟ بل إلى مزيد من الاختلاف وبث روح العداء والكراهية وإعداد العدة كما يروجون لحرب طويلة المدى ولبعثرت أموال الأمة التي كان من الممكن أن تكون خير معين على تسهيل عملية الإصلاح والتغيير المتزن والعاقل وغير المضر, وللزج بالأمة كل الأمة في غياهب الإشكالات واستجلاب الماضي وتعقيداته وعدم الاستقرار واستنزاف ثروات الأمة بدلًا من أن تنفق فى تحسين أوضاعها, عجبًا لهذه الأمة وإن تعجب فعجب تفكيرهم وقولهم وفعلهم وتخطيطهم وتنفيذهم, وكل حزب بما لديهم فرحون. على العقلاء من أبناء هذه الأمة وقادتها ومصلحيها وعلمائها وساستها ورجالاتها وشعوبها وقياداتها أن يدركوا هذا جيدًا وأن يعالجوا الأمور بالمنطق والحكمة والتعقل ليحولوا هذا التسونامي الجارف والاختلاف الماحق إلى مساره الصحيح. يفترض من الجميع في هذه الظروف الراهنة إعمال الجهد ليسفر الصبح وتتعارف الوجوه ويعود الرشد الذي كدنا أن نفقده - فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور- فنعلم أن الاختلاف في المذاهب أو في وجهات النظر أو حتى في الدين, سنة من سنن الله الكونية في الحياة وفي الوجود, ولن تجد لسنة الله تبديلًا, ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة, وعلينا أن نحول هذا الاختلاف إلى رحمة ومودة وتنوع وتعارف ومد جسور التواصل وتبادل المنافع لا إلى التدمير والتشويه والتخريب وارتكاب الجرائم الإنسانية في حق هذا المخلوق الذي خلقه الله تعالى, وكان الأحرى بنا جميعًا أن نحترم وأن نقدس ما خلقه الله تعالى بصرف النظر عن اللون والجنس والعقيدة واللسان وكما يقول رسول الإنسانية والرحمة والمحبة والسلام "الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله"" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.