أستغرب جدا من حملة الدفاع الحار والبطولي للصحف المملوكة أو الممولة للملياردير القبطي نجيب ساويرس عن القرار السويسري الذي حظر بناء مآذن للمساجد هناك ، وأؤكد على مسألة القبطية في صفة ساويرس هنا لأهميتها في سياق الموضوع المطروح ، لأن أبسط أصول اللياقة أو الحرص أو احترام رابطة الوطن أن ينأى بصحفه عن هذا الملف الذي استفز ملايين المسلمين عبر العالم كله ، والمسألة تبدو غريبة جدا ، الغرب نفسه يشعر بالعار من هذا القرار العنصري بحظر رمز ديني لدور العبادة ، والكلام كان واضحا على لسان أكثر من مسؤول سياسي وديني غربي ، سواء رئيس الوزراء البريطاني أو الرئيس الفرنسي أو حتى بابا الفاتيكان ، إضافة إلى الغضب الشديد الذي انتشر في العالم الإسلامي من مثل هذا القرار العدواني ، حتى أن الحكومة في سويسرا ذاتها تتبرأ من القرار وتعتذر عنه ، رغم التزامها به ، ناسبة إياه إلى "المتطرفين" في اليمين المسيحي ، وأنا أفهم أن يكون المتطرفون المسيحيون في سويسرا كارهين لصورة المآذن ورافضين لوجودها ، ولكني لا أفهم أن يكون نجيب ساويرس وصحفه في مصر متضامنين إلى هذا الحد مع المتطرفين المسيحيين في سويسرا ، الذين يتبرأ منهم الغرب نفسه ، هل يمكن أن نفسر مثل هذه المفارقة بأي معنى آخر ، غير استئجار ساويرس للصحف والأقلام من أجل خوض مواجهات طائفية صريحة مستفزة للضمير العام عند ملايين المصريين الذين يمثلون الغالبية الساحقة من الشعب المصري ، هل يعقل أن يتحدث رئيس تحرير صحيفة يعمل موظفا عند ساويرس بأنه ليس من حق الشعب المصري أن يغضب من القرار السويسري لأن المسلمين في مصر يرفضون الكنائس ويحرقونها ، هل هذا الكلام الكاذب والخطير يمكن تصور مبرراته الأخلاقية أو الوطنية أو السياسية أو غيرها ، دون أن تربطه بالرغبة في إشعال فتيل الكراهية في النسيج الوطني ، صحيح أن من قرأوا مثل هذا الكلام اعتبروه "تسديد فواتير" لصاحب النعمة والفضل الذي يمنح أحدهم أكثر من ستين ألف جنيه شهريا ، ولكن الفواتير يمكن أن تسدد في قضايا أخرى أو معارك أخرى ، إلا هذه القضية ، لأن هذا لعب بالنار وبيع للوطن وأمنه ووحدته مقابل فلوس ساويرس ، الأمر لم يقف عند صحيفة واحدة ، بل شهدت الأيام الماضية العديد من المقالات المتتابعة في الصحف المملوكة لساويرس أو التي يقودها موظفون يعملون لديه بعشرات الآلاف من الجنيهات شهريا ، كلها تنسج على المنوال ذاته ، وهو أن المسلمين يستحقون أي عقاب يوقعه بهم العالم الغربي لأنهم متطرفون ومتعصبون وكارهون للغرب ولأمريكا ، وأنهم يستفزون الغرب ويرفضون الاندماج ويحاولون تغيير هوية الدول الأوربية ، وكلام طويل عريض على هذا النحو ، ومرة أخرى نذكر ، بأن الغرب نفسه الذي يتحدثون باسمه ولسانه يعتبر القرار السويسري عارا على الحضارة الغربية ، وسلوكا مشينا ، فهل تريدون أن تكونوا أوربيين أكثر من الأوربيين أنفسهم ، والحقيقة أن القرار السويسري مخزي بالفعل ، ولو فعلته دولة عربية أو إسلامية لوصفت بأبشع أوصاف التخلف واعتبر سلوكها بأنه سلوك "طالباني" ، فلماذا يدافع عن القرار هنا ، في مصر المسلمة ، صحف ممولة أو مملوكة من مليادرير مسيحي ، هل يصل الاستخفاف بالوطن وأهله إلى هذا الحد ، هل انعدم الإحساس بالمسؤولية لدى ساويرس وموظفيه إلى هذا الحد ، أن تخصص طائرة للبابا شنوده فهذا يخصك ، أن تتحالف مع بعض تيارات أقباط المهجر فهذا يخصك ، أن تفرض نفسك مذيعا تليفزيونيا بفلوسك فهذا يخصك ، أما أن تستغل قدراتك المالية من أجل إثارة الكراهية بين أبناء الوطن ، فهذا لا يخصك أبدا ، بل يخص الوطن كله ، وبكل أمانة ، ما زلت أؤكد على أن السلوك المستهتر لنجيب ساويرس يمثل تهديدا خطيرا للأمن القومي المصري . [email protected]