"لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيبا ماهرا نعم فقد صنعته يد العناية الإلهية صناعة خاصة، فلم يكن بشرًا عاديًا، لكنه بشر صنعه الله على عينه،"فإنك بأعيننا" وأدبه فأحسن تأديبه، وأودع فيه من حميد الخصال والخلال، ما يجعله مميزًا عن سائر الخلق،خاطبه ربه فقال له"وإنك لعلى خلق عظيم" فتعامل مع الناس كتعامل الطبيب البارع والإنسان قبل ذلك كله ومع المريض المتعلق بقشه يكاد يسقط فيصف لهم الدواء قبل هلاكه. وأطباء اليوم يصفون ويكتبون روشتات على ورق. ولكن روشته الحبيب كانت على ارض الواقع وكان لكل داء دواء عنده صلى الله عليه وسلم فما ترك لنا شيئاً إلا وقد وصف لنا روشتات لنعرف كيف نداوي أمرضنا وأمراض غيرنا وكان لنا صلى الله عليه وسلم نِعْم الأسوة"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنه لمن كان يرجوا الله وذكر الله كثيرا" روشته في الإيجابية والعفة حين جاء الرجل يسأله ويمد يده علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم درسا لن ينساه في الجد والعمل والعزة والاستغناء عن الناس ويعلمه أن اليد العليا خير وأحب عند الله من اليد السفلى: فيقول له " لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه ".(البخاري). وفي رواية عند أبي داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال:" أما في بيتك شيء؟" قال : بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه ، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: "ائتني بهما" قال فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: "من يشتري هذين؟ "قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: "من يزيد على درهم؟" مرتين أو ثلاثا قال: رجل: أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال: "اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به" ، فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له: " اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما" فذهب الرجل يحتطب ويبيع ، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع ،أو لذي دم موجع ". وحين جاء الأعرابي ليستأذن رسول الله في الزنا لعله يرخص له فماذا فعل معه روشته في الحلم والأناة جاء غلام شاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ائذن لي في الزنا. فصاح الناس وقالوا: مه مه. ألا تستحي من نفسك، ألا تخجل من الناس، ألا تزدجر من النبي، ألا تخاف من العقوبة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوه". لماذا تصيحون به، وتصرخون في وجهه، فمَن يسأل إذن إذا لم يسأل رسول الله، أترضون أن يحسن لكم الظاهر، ويختان نفسه؟ ترى ماذا سيكون حال هذا الشاب، لو أن الرسول ترك الناس يصيحون به، ويشنعون عليه، ولا يقدِّرون مشكلته، وكم من خطيب يترك السائل فريسة لرواد المسجد يلقنونه درسا لا ينساه، ولعله الخطيب يفاخر بمثل هذا الموقف وهو لا يدري. "(دعوه"، فقد جاء يسألني وأنا أولى به من نفسه، وأرأف به من أبويه، وأرحم به منكم، خلوا بيني وبينه). وحين بال الأعرابي في المسجد فماذا فعل معه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " رواه البخاري وقالها حين أخذ الأعرابي بتلابيب ثوبه وأساء معه الأدب، يأتيه أعرابي جافٍ ويقول: يا محمد أدّ إليّ ديني فإنكم يا بني عبد المطلب قوم مطل أي مماطلون تأكلون الحقوق. يقول هذا لرسول الله وهو بين أصحابه المحبين له صلى الله عليه وسلم!! فيهُمُّ الناس به، ويهم به عمر، فيقول له رسول الله "لا يا عمر، كنت أنا وهو أولى بغير ذلك منك، أن تأمرني بحسن الأداء، وأن تأمره بحسن التقاضي، ثم قال: "أدّ إليه بعيره وزدْه بعيرًا آخر لقاء ما روّعتَه"- أي أِعطِ له حقه، وزد عليه مثله؛ لأنك خوفته. هذه روشته نبوية من مشفى المصطفى صلى الله عليه وسلم حلي بنا أن نتداوى فيها من أمراضنا ليتداوى فيها ويتعلم الراعي والرعية.الغني والفقير.القوي والضعيف ولتتناقلها الأجيال تلو الأجيال. وتأخذ منها الدواء فتتعافى الأمة من أمراضها التي أثقلت كاهلها .ولنا معه صلى الله عليه وسلم وصفه روشته نبوية قادمة إن شاء الله. * باحث عضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]