مواصلة لهروبى من الواقع ال.... أكمل حديثى عن اللحى وأنواعها وموديلاتها، و كنت قد تحدثت عن لحى المناصب التى يرخيها أصحابها، بعد أن يمنّ الله عليهم ب(هبرة) منصبٍ، كالإفتاء، أو المشيخة.. وأظنها لحى لا خير فيها؛ فإنها لم تُعف لله تعالى، بل لعيون المنصب وطبيعته، اللهم إلا إذا جدد صاحبها نيته بالاتباع والتسنن، وإلا فأظنها ستكون دليل إدانة، وقُحمة لجهنم والعياذ بالله رب العالمين.. وللمتدينين فى اللحية مدارس أيضًا وفقه، بعضه يمليه الاتباع، وبعضه يمليه (الدراع) وبعضه يمليه التأول أو الفهم أو الشيخ.. بعضهم يلتحى لحية رمزية، ولو استطاع لوضع لافتة كتب عليها: هنا لحية، فهو يحلقها (0,1) فتكون تقريبًا أشبه بالطيف على الوجه، تحتاج لعدسة كى تراها! وبعضهم يحلقها نمرة واحد، فيكون أشبه بمن صبغ خديه بلون رمادي.. وبعضهم يتوسط فيجعلها بين الإعفاء والقص.. وثالث يعفيها، ويرخيها، ويطيلها، ويفردها، ويسشورها حتى تبدو أطول ما يستطاع، لتتوهم أن تحتها علمًا ومهابة وسلوكًا وخصوصية.. وهى – خصوصًا إن أعفيت – سنة من سنن الفطرة، ورمز للاتباع، والحرص على السمت الإسلامى الذى يحارَب فى العالم كله بقوة، ويتفق الشرق والغرب، والداخل الأجير والخارج الحقود على مقاومتها والحجاب، باعتبارهما ذوَى دلالات لا تخفى عن العيون، ويتفنن شياطين الإنس فى تقبيحهما والإساءة إليهما بشكل وقح متطرف.. وسأتكلم عن ذلك لاحقًا.. لكن أريد أن أقول هنا شيئًا مهمًّا جدًّا فى سياق حديثى عن لحية التدين، فهى فى رأيى عاصمٌ وعقالٌ يكف صاحبه عن كثير من السلوكيات المتسيبة، ويضبط مسيرته، ويحميه من كثير من المظاهر التى لا يرضاها الله رب العالمين، فلن ترى متحجبة حجاب دين وعفة، أو ملتحيًا لحية سلوكٍ واستقامة، وهو سكران، ولن تراه يرقص مثلاً أمام الناس، ولن تراها متعرية أو تجاهر بفاحشة، لأنهما فعلاً عاصم من ذلك.. اللهم إلا إذا كان مدسوسًا أو متظاهرًا أو مخبرًا، أو كانت.. أخبرنى صاحبى قال: كنت فى مقتبل شبابى أدخن بشراهة، فلما أعفيت لحيتى استحييت أن أُرى مدخنًا، فامتنعت، ثم قللت، ثم توقفت – بعد إفراط – بفضل الله تعالى.. أما لحية العياقة، وحجاب العادة، أو النقاب الذى تلبسه بعضهن تآمرًا على الإسلام، فهذا بلاء ما بعده بلاء، وهو كذب وافتراء، والإسلام والحق والعدل والشرف منه براء.. وأخبرنى صاحبى قال: كنت أعمل فى أحد التليفزيونات زمانًا.. وذات رمضان غير كريم على الإعلام قدّم مذيعٌ رافضى برنامج مسابقاتٍ جماهيريًّا، لما تابعته وجدت عددًا من المنقبات العجيبات اللواتى يصفرن، ويرقصن، ويصفقن، ويصرخن كلما أجاب أحد إجابة، أو أخطأ أحد الإجابة، أو صمت الناس عن الإجابة! وكن (شغالات عمال على بطال) رقصًا وصفيرًا وتصفيقًا بشكل مدهش.. وحرت ولم أفهم الصورة، حتى كنت داخلاً مبنى التليفزيون ذات يوم، فوجدت مجموعة من الأجيرات المتبرجات، أمام المدخل حيث شرطة التليفزيون، الذين كانوا يفتشون الأكياس التى بأيديهن، لأجد فيها النقاب والعباءة (عدة الشغل) وتتبعتهن للاستوديو فوجدتهن يلبسن العِدة، ويتوزعن فى أنحاء المكان.. وأخبرنى صاحبى قال: وحدث الأمر نفسه فى الحلقة الأولى من برنامج كنت أعده بنفسي، حين وجدت هؤلاء ذواتهن، ومجموعة من الشبان (الأجراء) وقد جلست شابة من أولئكن، بجانب شاب، ملتصقة.. وهذا لم يكن معهودًا على الإطلاق فى برامجي، فغضبت، وهددت المخرج الرافضى أيضًا، فعزلهن ناحية والشباب فى ناحية حتى انتهت الحلقة، ثم لم يعدن بعد ذلك، ولم أعد أنا بعد نهاية الدورة! هناك إذن لحية تدين، ولحية سلوك واستنان، ولحية مستعارة يلتحيها مخبر أو كذاب، وحجاب عفاف وتدين، وحجاب كذب وتضليل، وإساءةٍ للإسلام تتلفع به أفاكةٌ، أو دجالة.. ولا يجعلنى هذا أذهب إلى أن الملتحى شخص معصوم لا يخطئ، ولا أن المتحجبة طهور كمريم العذراء أو خديجة الكاملة أو عائشة الصديقة رضى الله عنهن، بل منهن ومنهم من يخطئ ويسقط.. لكن خطأه سيبقى أقل عددًا، وأهون شأنًا، وأكثر استتارًا فيما أزعم من المجاهر والمستبيح والمتربص.. لكن مما يجعلنى أصاب بالهلع أن يسقط بعض ذوى لحى التدين فى الكذب، أو الكيد، أو التآمر، على إخوانهم إذا هم خالفوهم، أو أساؤوا، أو لم يعطوهم ما يريدون، حينها تدخل الدنيا بين الأدلة الشرعية، وتلبس عمامة التدين والغيرة، فينقلب أخونا إلى عدوّ لا يهاجم فرعون وهامان ومباركًا والعادلي، بل يهاجم إخوانه، ويتفنن فى تنقص إخوانه، أو فضحهم، أو التلفيق لهم! وكلا الأمرين ذميم بذيء.. سيدنا أبو سفيان رضى الله تعالى عنه لم يطق – وهو كافر - أن تؤثر عنه كذبة أمام قيصر الروم، وبعض إخوتنا يكذبون فى الصحف والمحاضرات، وعلى الشاشات؛ لتبلغ أكاذيبهم وتلفيقاتهم الآفاق، باسم الدعوة، أو لصالح اللافتة، أو الغضب للنفس! وبدلاً من أن يستغفر لنفسه ولإخوانه يتحول سوط عذاب، وصوت افتراء، ويتحالف من الفلول، والجلادين، والظلمة، غير مبالٍ بما يفعل، ولا ما تجنى يداه: بعض الشباب الذين يهاجمون الدكتور أبو الفتوح، لأنه ترك، أو شك طريقًا اجتهد فيه! وذلك الحبيب المنقلِب الذى كان يأمل أن يكون رأسًا، فلما لم ينل عادى وهجر، وتعاطى وعقر.. وذان المحاميان (الإسلاميان) المتخصصان فى الهجوم على الرئيس وفصيله، واللذان يذكرانى بالمحامى إبراهيم الهلباوى المدافع عن الإنجليز ضد فلاحى دنشواي! والذى قطع أعناق (السفلة الفلاحين) لصالح السادة الإنجليز، القائل فى مرافعته: (هؤلاء السفلة من فلاحى دنشواي، الذين أساؤوا ظن المحتلين بالمصريين؛ بعد أن مضى عليهم خمسة وعشرون عامًا ونحن معهم فى إخلاص واستقامة! لا يستحقون رحمة أو شفقة؛ لأنهم ذوو طبيعة شريرة، ارتكبوا جريمة فظيعة تستحق أشد عقاب! وأعمالهم قد تجردت من الرحمة والرأفة والدين، لأن الدين الإسلامى يبرأ من هؤلاء المتوحشين....) تصور! إننى أعجب من عظمة رجل كخالد سيف الله الذى كان النصر يسير فى ركابه جنديًّا، ويأتى سيدنا الفاروق فيعزله خشية افتتان المسلمين به، فيربطون النصر باقتداره لا بأقدار الله تعالى، ولأن فى سيفه رهقًا، ومع هذا فلم يتمرد خالد، ولم ينسحب من التحالف، ولم يشق العصا، ولم (ينشر غسيل) ابن الخطاب، ولم يقل له أبوك وأمك، وكنت وكنت، بل رضى أن يكون جنديًّا فى جيش المسلمين، بعد أن قال قولته الرائعة: (الحمد لله الذى ولَّى عمر، ثم ألزمنى حبه).. يا ألله.. بهذه الأخلاق انتصروا وسموا.. وبأخلاقنا (الزبالة) تمكن الفلول، والجلادون، والبلاطجة، والنخانيخ، حتى إن نظام الإجرام السابق يوشك أن يعود.. لئن لم تنتهوا يا أصحاب اللحى، وتجتمع قلوبكم، وتنسوا لافتاتكم، ليوشكن الله تعالى أن ينزل بمصر كلها عقوبة بسببكم.. (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)! ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد! [email protected]