حققت الصحافة الالكترونية نجاحات مذهلة خلال الفترة الأخيرة على حساب المطبوعة والفضائية، بعد أن صارت "كوكتيل" من الاثنين، متفوقة بالسرعة في نقل الخبر، وبمساحة الحرية والسقف المرتفع جدا على أي رقيب يحاول استخدام مقص البتر والتعديل. ولكوني مدير تحرير لأحد المواقع ذائعة الصيت والانتشار الواسع والزيارات التي اقتربت خلال الشهر الماضي من المليونين يوميا، أدرك الأهمية التي يمثلها هذا الاعلام الجديد الصاعد بسرعة الصاروخ، لدرجة أن صحفا ورقية كبرى ذات تاريخ عريق استغنت بالالكترونية عن المطبوعة، فزاد حجم مداخليها الاعلانية وتضخمت اقتصادياتها وزاد قراؤها مع تمدد كبير جدا في جغرافية انتشارها عبر قارات الدنيا بدون أي حواجز. صرت أتلقى مكالمات وايميلات من كتاب كبار يطلبون إعادة نشر مقالاتهم لأن الصحف المطبوعة واسعة الانتشار التي يكتبون فيها، ليست بذات السعة ولا الامتداد والتأثير، وهم يريدون معرفة ردود فعل سريعة من القراء عن طريق التعليقات التي لا تستطيع الصحافة الورقية أو الفضائية أن تؤديها بنفس السرعة والكفاءة والحريات المتاحة. ربما كان تردد كبار الكتاب والمشاهير والمصادر خلال المرحلة الماضية من تاريخ الصحافة الالكترونية الذي لا يتجاوز أصابع اليدين، هو الانفلات الذي كان سمة تلك المرحلة، من حيث افتقاد الدقة والمهنية الاحترافية، وسرعة ظهور المعلومة دون التحقق من صحتها اعتمادا على خاصية الحذف التي تتيح التخلص من الخبر والمعلومة إذا لم يكونا دقيقين، وهو ما كان يشجع القائمين على تلك المواقع على الاستعجال في النشر وعدم بذل مجهود كبير بحثا وراء التفاصيل والحقائق. وكان هناك أيضا تخوف من انفلات التعليقات، فأي تعليق يمكن نشره مهما كان مضمونه دينيا وعقائديا ومذهبيا وأخلاقيا، شتائم وسباب للكاتب دون أي مناقشة موضوعية لمضمون ما كتبه. لكن الانتشار الواسع لتلك المواقع جعلها تسلم قيادتها لصحفيين محترفين كبار عرفناهم في الصحافة المطبوعة والفضائية، فوضعوا بدورهم كراسات تحرير بالغة الصرامة يلتزم بها المحررون ولا يخرجون عنها، واستعانوا أيضا بنوعية من المحررين لا يمكن العثور عليهم في الصحافة التقليدية، فالمحرر منهم لديه مهارات تقنية وتحريرية مبهرة ويكتب ويتحدث بالانجليزية أو الفرنسية إلى جانب العربية، ويطلب منه ألا يكون مجرد مخبر أو محرر لتقرير، بل الاستفادة من الانترنت كمرجع بلا حدود في توثيق معلومات موضوعه من كل الجوانب. صار الدرس الأول لكل محرر جديد في تلك المواقع هو أنه يسقط مهنيا إذا اضطرت إدارة التحرير لحذف موضوع كتبه لعدم صحته، لذلك كثيرا ما ترفض نشر أخبار وتقارير تحقق لها سبقا لأنها لم تتوثق لها المعلومات، ولا تندم إذا ظهرت تلك الأخبار فيما بعد في مواقع أو وسائل إعلام أخرى، فمن السهل أن تتجاوز خبرا سبقك غيرك إليه، لكن لا يمكن قبول خبر نشرته ثم ظهر أنه غير صحيح. صار لتعليقات القراء محررون محترفون يتبادلون العمل طوال 24 ساعة، لا يعرفون التكاسل لحظة واحدة، فلابد من قراءة التعليق كله، فهناك قراء أذكياء، أو كتاب محترفون يقومون بتوجيه رسائل معينة تمر بين السطور، وهناك اختلاف في اللهجات قد تتيح مرور تعليقات نابية تفوت على المحرر. وهذا لا يعني التعسف في التعامل مع التعليقات التي تمثل عصب الصحافة الالكترونية وقلبها النابض بالحياة، لكنها حكمة مطلوبة لمنع الانفلات، فالحرية لا تعني تحويل الصحافة الالكترونية إلى مقاه على أرصفة الشوارع أو في المناطق العشوائية. ويبقى أن نشير إلى خدمات التحقيق المرئي بالفيديو مع الكلمة وهو امتداد فضائي تلفزيوني للصحافة الالكترونية، يجعل القارئ يستمتع بما يقرأ ويستوثق بصورة حية متحركة.