عندما كتبت عن الأجواء المشحونة قبل مباراة السبت الماضي بين مصر والجزائر وشبهتها بأجواء الحرب، لم أتخيل أن تتأزم الأمور لهذا الحد، ويصل العداء إلى استبعاد اسرائيل من خانة العدو الأول أو الأشرار واستبدالها في كل من مصر والجزائر بالبلد الآخر! أظهر الاعلام الاسرائيلي أمس شماتة كبيرة في العرب وسخر منهم وأنزلهم منزلة المغفلين والخائبين الذين يحق لاسرائيل أن تستجير من مجاورتهم وتحمي نفسها من غبائهم! أرادوا أن يقولوا للعالم كيف تريدوننا أن نأمنهم على أنفسنا ونبرم سلاما معهم، وهم الذين يتقاتلون بسبب مباراة من تسعين دقيقة عرفها العالم كله ما عداهم على أنها خاسر ومهزوم، تنتهي بالمصافحة بينهم وبتمني حظ أوفر في المواجهات القادمة. ظهر الدم ينسال من واجهة أحد الجزائريين على صدر صحيفة "يديعوت أحرونوت" وفي التعليقات تمنى قراء اسرائيليون مباراة كرة قدم بين فتح وحماس حتى يخلص كل منهما على الآخر على طريقة شقيقتيهما الكبيرتين مصر والجزائر! ومما نقلته الصحيفة مع زميلتها "هآرتس" والقناتين الثانية والعاشرة تهديدات الصحف الجزائرية وأبرزها الشروق وموقع الكتروني باسم "لسان العرب" وصف للقاهرة بعاصمة "الحقرة". هذا الوصف أعجبهم جدا فكرره قراؤهم في التعليقات على مواقعهم بالانترنت، لكن الذي أعجبهم أكثر هو معايرة الجزائريين للمصريين بحرب الأيام الستة، أي هزيمة مصر السريعة في حرب 1967 وقولهم بأنها لم تتحمل "غلوة ماء"!.. ورد المصريين على الجزائريين بأنهم عبيد فرنسا! تقدمت أخبار المباراة الماضية وتوابعها والقادمة وتوابعها المتوقعة نشرات الأخبار في القناتين الثانية والعاشرة، وابداء الرغبة في نقل مباراة أم درمان على الهواء مباشرة لكي يشاهد الاسرائيليون الحرب ويتمتعوا بها، فهم يتوقعون مجزرة في الاستاد وخارجه لا تقل بشاعة عن صواريخهم على غزة! سننتظر طويلا جدا لاصلاح ما أفسدته مباراة كرة في علاقة شعبين عربيين بينهما تاريخ ومصير مشترك وساحات حرب ضد فرنسا واسرائيل، واختلطت دماؤهما في معركة ثغرة الدفرسوار عام 1973. وصلنا لهذا الحال تحت سيطرة الغباء الاعلامي والحكومي. إعلام يتاجر بالكذب وبكتابة تقارير من المكاتب المغلقة وعلى روائح القهوة والمشروبات الساخنة والباردة كما تفعل جريدة "الشروق" الجزائرية التي تكتب منذ نهاية المباراة عن جثث ونعوش جزائرية تصل تباعا لمطار هواري بومدين. في المقابل فشل خالد الغندور رغم أيمانات المسلمين التي حلفها في برنامج معتز الدمرداش في اقناع أحد بأنه وغيره من هواة الاعلام الجديد الذي ملأ سماء مصر، لم يمس مشاعر انس أو جن من الجزائر، فمنذ شهر يتوعدون ويكيلون السباب، ويدفنون صلة الدم والرحم والدين، غير مقدرين العواقب، ضاربين عرط الحائط بعائلات مختلطة من البلدين تعيش هنا وهناك. للأسف الشديد لا يكفي ماء نهر النيل من السودان إلى مصر لاطفاء النار التي اشتعلت والكراهية التي سكنت القلوب. وفي الواقع لم يحاول أحد أن يحمل حتى جردل ماء. فالصحف الرئيسة هنا وهناك تحمل مانشيتات الحرب والتجييش. الأهرام والجمهورية والأخبار تبدأ بتعليمات الرئيس مبارك بحشد كل الامكانيات خلف اللاعبين الذين يدافعون عن شرف الوطن بركل الكرة، والشروق الجزائرية مع شقيقاتها البلاد والخبر والهداف تحمل مانشيتات التحميس الصادرة من بوتفليقة ووضع كل امكانيات بلد المليون شهيد في يد جنرالات الملعب رابح سعدان وصايفي. بوتفليقة الذي كان وزير خارجية في عهد هواري بومدين، ومن أفضل وزراء الخارجية العرب في التاريخ، جلس يوما على مائدة واحدة مع بومدين والزعيم السوفييتي برجنيف، مستميتا لارسال شحنات من الدبابات والطائرات على وجه السرعة لمصر بعد هزيمة 67! من حق الاعلام الاسرائيلي إذاً أن يشمت ويسخر.. فألد أعدائها يأكلون الآن لحوم بعضهم ويطلبون المزيد على شرف الكرة! ماذا يكون شعورك عندما تسمع استغاثات مصريين يعملون في الجزائر منقولة على الهواء في قناتي المحور والحياة كأنهم أسرى 67 .. وما هو رد فعل الملايين في مصر عندما يسمعون متصلين من وهرانوالجزائر بأنهم محاصرون في بيوتهم والنيران تشتعل فيها من الخارج والرصاص يطلق عليهم وعلى زوجاتهم وبناتهم وأبنائهم. وماذا يكون شعور الجزائريين ورد فعل ملايينهم وهم يقرأون في "الشروق" عن الشاب المقتول بعد المباراة الذي تم تلقينه الشهادة في الفندق قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.. وعن فتاة اغتصبت خارج استاد القاهرة، وعن خلع الأمن لنقاب وخمار الأنصاريات، أي مشجعات الأخضر قبل السماح لهم بالدخول! طبعا كله تلفيق في تلفيق.. تصور الربط هنا بين الحرب والشهادة.. بين الكرة والجهاد في سبيل الله.. ونتيجته تأسيس جماعات جهادية جديدة في الجزائر للانتقام من الأشرار المصريين! لا أعرف مدى صحة البيان الرسمي الذي نشرته جريدة الهداف الجزائرية أمس منسوبا لوزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي طيب لوح بالغاء رخص عمل كل شخص يحمل الجنسية المصرية ورفض اصدار تراخيص جديدة واعتبار القرار نهائيا لا رجعة فيه. لو كان صحيحا فلا أظنه عقابا وإنما نزع فتيل خطر محدق بهم، فالجماعات الجهادية الجديدة لن ترحمهم في ظل مشاعر الرغبة في الانتقام. يكفي أن تقرأ أول رد فعل طبيعي لجزائريين بأنهم سيرضعون أطفالهم كراهية مصر، ورد مصريين بأنهم سينتقمون لأبنائهم في الجزائر بارسال الجالية الجزائرية في نعوش! [email protected]