كان المسلمون في الصدر الأول من الإسلام، مقبلين على الدين والزهد في الدنيا، فلم يكونوا بحاجة إلى وصف يمتاز به أهل الزهد والعكوف على الطاعات والانقطاع إلى الله، حيث كان الوصف السائد لهؤلاء السادة الفضلاء إما صحابي أو تابعي أو تابعي التابعين.. فلم يكن التصوف في هذه القرون الفاضلة طريقة لها سَمْت ورسم وهيئة، بل كان خلقًا يهدف إلى الوصول إلى أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تراه فإنه يراك، وسلوكًا يُمنهج حياة المسلم على الطاعة والرُقي الوجداني والسمو بالذات الإنسانية إلى درجات سامقة من المراقبة ودوام التجرد والإخلاص ونقاء الجوهر. ثم طرأ تحول واضح في تيار الزهد منذ أوائل القرن الثالث الهجري، على يد جماعة أُطلق عليهم "الصوفية"، والسبب في ذلك يرجع لأسباب عدة ليس هذا مقام سردها، فجعلوا له سمتًا ورسمًا وهيئةً وصفةً، ورددوا أورادًا وأحزابًا ليست من هدي النبي محمد وصحبه رضوان الله عليهم، ثم تأثرت الصوفية ببعض الآراء الفلسفية اليونانية التي لم تكن يعرفها المسلمون من قبل كالفناء والحلول والاتحاد. أقول ذلك في الوقت الذي تفتح إيران الشيعية ذراعيها لتحتضن الصوفية في مصر قبل زيارة أحمدي نجاد لمصر وبعدها، تحت دعوى حب آل بيت النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، بالإضافة إلى ذلك إغراء بالمال والتمتع بالنساء! مما يجعل البعض يدخلون في دين التشيع أفرادًا وجماعات. في الوقت نفسه نقف - نحن أهل السنة - بسوء عرضنا للحق الذي معنا أحيانًا مكتوفي الأيدي نلعن الظلام، ولا نستطيع أن نوقد شمعة الهداية، ويسيطر علينا الخطاب العاطفي الانفعالي السلبي أحيانًا، الذي قد يكون حائلًا بين هداية الناس وتوعيتهم واحتوائهم وكسبهم إلى صفوفنا ونكتفي في أحيان أخرى بالصمت واعتزال الصوفية جميعهم وهجرهم كأنهم رجس من عمل الشيطان، لنتركهم نهبًا وصيدًا ثمينًا لمخططات الشيعة ومؤامراتهم ولجهودهم التي تنفذ بحرفية ونشاط على أرض الواقع لإغرائهم والإيقاع بهم. فالمطلوب منا أيها السادة قبل أن يفوت الأوان: كما أننا نفرق بين الإسلام المعصوم والحركة الإسلامية غير المعصومة، السلفية المنهج والتيارات السلفية المعاصرة ، علينا أن نفرق أيضًا بين التصوف كخلق وسلوك موافق للشريعة، وبين الطرق الصوفية التي ينحصر دورها في انعزال المجتمع وإحياء الموالد وزيارة قبور الصالحين .. إلخ . وعلينا أن نفرق بين صوفية ابن عربي والحلاج وبين الصوفية المعاصرة التي لا تعرف ابن عربي ولا تقول ببعض أقواله. وعلينا أيضًا أن نحتضن الصوفية ونتصالح معها لننصهر جميعًا في بوتقة أهل السنة، قبل فوات الأوان وقبل أن نبكي جميعًا على فقدان صوفية مصر عندما يعانقوا الدين الجديد التشيع !! يقول فضيلة الشيخ محمد الغزالي عليه رحمات الله : " لو أننا غربلنا التراث الصوفي وقدرنا جهود ابن القيم وابن الجوزي والغزالي وابن عطاء الله السكندري وغيرهم من الأئمة العظام، لأمكننا أن نخرج بحصيلة رفيعة القدر في مجال الخلق والتربية والسلوك، ولأمكننا أن نصوغ نصف العلوم الإنسانية في قالب إسلامي جميل ونافع"، وأخيرًا أدعو فضيلة الشيخ أحمد الطيب - شيخ الأزهر -، وفضيلة الشيخ علي جمعة - المفتي السابق -، وفضيلة الشيخ حسن الشافعي، وغيرهم من أفاضل علماء الأزهر الشريف أن يتبنوا مشروعًا مصريًا إسلاميًا كبيرًا تحت عنوان "نشر الفكر الوسطي للإسلام"، وفى هذا المشروع تتم تنقية التراث الصوفي مما شابه وأصابه من آراء وتصورات فلسفية دخيلة، وأن يجددوا مناهجه ويصححوا خطابه، ويصححوا أخطاء مسيرته بإثبات ما يوافق الشرع وإزالة ما دون ذلك.. وبتصحيح بعض العبادات التي لا ترضي الله - عز وجل -، والتي يمارسها بعض المنتسبين للتصوف. أعلم أن بعض أبناء الحركة الإسلامية لن يُرضيهم مثل هذا الخطاب التصالحي، وقد يتهمونني بالتصوف.. وفي المقابل قد يتهمني بعض الصوفية باتهامات لا تليق، ولكن حسبي أن الله مطلع على القلوب.. وأنني لا أبغي إلا الإصلاح وهداية الخلائق وتعبيد الناس لربهم .. وأختم بما قاله العلامة القرضاوي: "على أهل السنة أن يتصوفوا، وعلى الصوفية أن يتسننوا" . [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]