الأزمة بين "النور" و"الحرية والعدالة"، تركت ارتباكًا كبيرًا داخل الحالة الإسلامية، خاصة أنها جاءت بالتزامن مع الترتيبات لإجراء الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها خلال شهرين من الآن. سبب الأزمة كان صادمًا، لأنه صدر من الرئاسة المحسوبة على "الحرية والعدالة"، ما طرح سؤالًا حول مغزاه ودلالته.. بجانب سؤال آخر يتعلق بما إذا كان الإخوان راغبين في "التضحية" ب"الحليف" الإسلامي القوى، والذي يمثل ثاني أكبر قوة سياسية في البرلمان السابق، وما زال يحتفظ مع الجماعة بعلاقات ودودة وبتحالفات جادة في عدد من المحافظات المصرية. الحرية والعدالة أعلن بأنه ليس "طرفًا" في الأزمة، ولعل ذلك يكون جزءًا من الحقيقة، لأنه بحسابات السياسية ليس من مصلحة الجماعة، توسيع جبهة المعارضة لها، واستعداء قوى اجتماعية وسياسية مؤثرة في الشارع المصري، ناهيك عن أنها قوى من داخل "المرجعية" وعلى ذات "الشرعية" التي تتقاطع معهما جماعة الإخوان المسلمين. التصريحات التي صدرت من الحرية والعدالة، حتى الآن، تشير إلى أن الرئاسة ربما فعلًا قد تسببت في إحراج الحزب، وإلحاق الأذى بترتيباته وتحالفاته التي من المتوقع أن يدخل بها الانتخابات القادمة. أشعر بقدر من "العتاب" الرقيق، من قادة الحرية والعدالة، للرئيس مرسي، وطالبوه بكشف الحقيقة، أو الاعتذار. غير أن جزءًا آخر من الحقيقة، لا يزال بعيدًا عن دائرة الضوء، وإن كانت التصريحات تشير إليه ضمنيًا، فمن المرجح فعلًا أن تكون الجماعة ليست طرفًا في صناعة أسوأ أزمة تعصف بالتحالف بين الفصيلين الإسلاميين الكبيرين.. إلا أن السؤال بشأن ما إذا كانت الجماعة على علم بما حدث، قبل الإعلان عنه رسميًا يظل حاضرًا، وذا مغزى ودلالة ربما تلقي بظلالها على ما يتردد بشأن علاقة "الرئاسة" بمكتب "الإرشاد". الدكتور محمد البلتاجي قال إنه كان على علم بما وصف ب"المخالفات" المنسوبة إلى مقربين من "علم الدين".. غير أنه طالب الرئاسة بالإعلان عنها والاعتذار رسميًا لحزب "النور". بالتأكيد أن ما وصفت ب"المخالفات" جاءت من تقارير رقابية قدمت للرئاسة، فكيف اطلع عليها البلتاجي.. وهو ليس جزءًا من مؤسسة الرئاسة على النحو الذي يجيز له الاطلاع على كل ما يرد إليها من الأجهزة الرقابية الحساسة؟! وإذا كانت الجماعة على الاطلاع بتلك التقارير المزعومة، والتي من المفترض أنها "تمس" سمعة ثاني أكبر قوى سياسية في البلاد، وتعتبر الظهير اللوجستي للإخوان.. فإنه ليس بوسع أحد إلا أن يفهم بأن ثمة تقصيرًا وقع فيه حزب الحرية والعدالة حين لم يبادر إلى احتواء الأزمة بشكل لائق: يحفظ للرئاسة هيبتها وللنور "سمعته" وللإخوان حلفاءها. الإخوان.. مازالت هي الجماعة الأكبر، وعليها تحمل مسؤوليتها إزاء الأحزاب "الشقيقة".. وأن تتحسس خطواتها إزاء ما يؤذي مشاعرهم.. خاصة أن الإسلاميين يعتقدون رغم عشرات التحفظات التي يتحدثون عنها بشأن الإدارة السياسية الرسمية أن الجماعة جزء من "المشروع الحلم" الذي يتوق إليه الإسلاميون على تنوعهم واتساعهم. [email protected]