يحكى أنه أثناء الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي، نجحت المخابرات المركزية الامريكية في تجنيد مسؤول رفيع المستوى في الحكومة بموسكو، ولم تطلب منه معلومات سرية أو أخباراً مهمة، ولكن طلبت منه مطلبا واحداً وهو: وضع الشخص غير المناسب في إدارات الدولة، وإقصاء الكفاءات دون أن يلاحظه أحد. .. ربما تكون القصة خيالية، أو لم تحدث كما رويت ولكن على أية حال فقد كان ذلك يحدث فعلا في الاتحاد السوفييتي، الذي انتشر فيه الفساد والواسطة والمحسوبية في آخر سنواته.. قبل ان يتفكك غير مأسوف عليه. .. ذهبت الحكاية.. وذهب الاتحاد السوفييتي وبقي المغزى والمعنى واضحين لا لبس فيهما: «اذا اوكلت الأمر لغير أهله.. فسد كله». .. وأحد أسباب انهيار الجبهة الداخلية في الستينيات إبان حكم عبدالناصر كان الاعتماد على «أهل الثقة»، لشغل المناصب القيادية، والوظائف المفصلية في الدولة، بدلا من أهل الكفاءة والخبرة. وشهدت هذه الفترة تكليف ضباط الجيش بمناصب شديدة الأهمية اعتمادا على «ثقة» الرئيس فيهم، وقدرتهم على «الضبط والربط والتنظيم والإدارة»، فكان ما كان. وما أشبه اليوم بالبارحة، وكأن أولي الأمر عندنا لا يقرأون التاريخ، ولا يتعظون من أخطاء غيرهم.. .. عندما حدث الخلاف بين النائب العام السابق د.عبدالمجيد محمود والرئاسة، تم اقتراح تعيينه سفيراً لمصر في «الفاتيكان»، وذلك بالرغم من أن الرجل لا يجيد اللغة الإنجليزية، ولم يمارس أي عمل دبلوماسي من قبل، وكل خبراته في سلك النيابة والقضاء، وليس السلك الدبلوماسي، لكنه للأسف مبدأ «الترضية»، حتى لو لم يكن من مؤيدي صناع القرار الحاليين أو جماعتهم أو حزبهم، ولكن من أجل «الترضية» تذهب معايير الكفاءة والخبرة للجحيم. وعندما قرر السيد المستشار محمود مكي الاستقالة وترك منصب نائب رئيس الجمهورية – لأسباب لم تعلن رسمياً حتى الآن – تم تعيينه سفيراً في الفاتيكان أيضاً، ومع احترامنا لتاريخه القضائي والنضالي في تيار الاستقلال، وتقديرنا شخصه، ومعرفتنا بقامته، إلا أن علاقته بالعمل الدبلوماسي، واللغات الأجنبية تظل مجهولة غير معلومة! .. ولما ارتُئِي أن يترك طبيب الأمراض الجلدية ومدير ضبط الجودة النوعية بمستشفى الرياض د.ياسر علي منصب المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية – لأسباب لم يعلن عنها رسمياً أيضاً وإن كانت الصحف والوكالات قد فسرتها – صدر قرار بتعيينه رئيساً لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، وأيضاً لا أعلم ما هي العلاقة بين الطب البشري وعلوم المعلومات والبحوث وطرق التحليل الكمي والكيفي، وهناك العديد من أبناء «المركز» الأكفاء الأجدر والأحق بالمنصب. ألا تتعارض النماذج السابقة مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها»؟ وأليست الحكمة تقتضي وضع الرجل المناسب في المكان المناسب؟ وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء. [email protected] twitter@hossamfathy66