في الأسبوعين الماضيين، صدرت تصريحات من قيادات التليفزيون المصري، تحدثت عن موقفه من المذيعات المحجبات.. أحدهما قال : اطمئنوا لن يسمح التليفزيون بظهور مذيعة محجبة على شاشته.. قالها الرجل وهو مبتهج وسعيد وكأن الشعب المصري كله كان "قلقا" ولا ينام الليل خوفا من أن يجرح مشاعره تليفزيون بلاده بمذيعة محجبة! الطريف أن المسئول الأول عن ماسبيرو عزا كلامه إلى أن "تعرية الرأس" جزء من ثقافة المصريين! طبعا لا أريد أن أقول إن هذا كلام "مساطيل" وإنما أوكد أن الرجل كان يتكلم وعينه على من يقف في السلطة وراء قرار مصادرة حق المحجبات في العمل كمذيعات في التليفزيون المصري! في نفس "الجلسة" التي قيل فيه هذا الكلام الفارغ و بكلية الإعلام جامعة القاهرة، كشف مسئول آخر بالتليفزيون بأن ظهور مذيعة محجبة على الشاشة، لن يكون إلا بقرار سياسي!.. بل وزاد بأن "البيت بيتك" على سبيل المثل تكتب برامجه وتحدد اسماء المشاركين فيه من "جهات أخرى" من خارج التلفزيون. لا شك أن هناك أمورا لا يملك المسئول الإداري أوالفني مهما بلغت منزلته في جهاز الدولة البيروقراطي بشأنها شيئا ولا يستطيع أن يبت فيها إلا بالرجوع إلى سلطات سيادية وسياسية أعلى.. ومنها مسألة الحجاب. ومن الواضح أن ثمة موقفا رسميا من الحجاب.. أو على أقل تقدير تظل السلطات المصرية متهمة بأنها تنحاز إلى السفور التبرح والعري ضد الفضيلة وربما يكون ذلك واضحا حال خضع المضمون الإعلامي الرسمي للفحص والتحليل.. ولعلنا نتذكر حملة صحيفة روزاليوسف ضد المحجبات ووصفها للحجاب وهو على رأس الفتيات بأنه "ألوية الإرهاب"!.. والكل يعلم أن الصحيفة تمول من رجال أعمال متنفذين في أمانة السياسات، بل وتصنف بأنها الناطقة بلسان حال مجموعة السياسيين والاقتصاديين الملتفين حول جمال مبارك، وهي الحملة التي سدد فاتورتها نجل الرئيس نفسه من سمعته و"شرعيته" التي يأملها باعتبار "روزاليوسف الصحيفة" ناطقة بلسان حال الأمانة التي يرأسها بالحزب الوطني. الخطورة في هذا الموضوع لا تتعلق بحملة على "زي شرعي" أو على حق من حقوق الإنسان.. أو على "شارة دينية" لها حمولتها ودلالتها من "النضال السياسي".. وإنما خطورته في أنه ينال من نساء قيادات سياسية وأمنية وأجهزة سيادية رفيعة زوجاتهم وبناتهم محجبات.. ما يجعل الحملة ليست عملا استفزازيا للمجتمع المصري المحافظ فقط وإنما تستفز قيادات "مؤسسات القوة" في الدولة والتي يعتمد عليها النظام في تأمين وجوده كسلطة وتمرير تشريعاته وقوانينه المفصلة على مقاس الحفاظ على مصالحه السياسية والمالية في المستقبل. الحملة على الحجاب لا يقف وراؤها فيما أظن قوى معادية للتدين الشعبي في مصر، وإنما مافيات سياسية "سرية" تعمل على إثارة الفوضى ووضع النظام وأجهزته السيادية في حالة صدام قد تنتصر فيها الأخيرة باعتبارها الطرف المدافع عن "الشرعية الدينية " للدولة بعد أن تخلى عنها نظام لا يعرف من أين يستدرجه من يأكلون على موائده إلى "نهاية" ربما تكون أسوأ مما يتوقعها. [email protected]