فى مصر لايعترف أحد بأن هناك أشخاصا لايؤمنون بأيدولوجية معينة ولاينحازون لفصيل معين،وهمهم مصلحة الوطن فقط ،ويكونون فى قمة سعادتهم عندما يرو، وطنهم فى قمة تقدمه وتحضره واستقراره.. ولاتعترف الغالبية من المصريين بذلك، فهم يرون الشخص جانحا إما يمينا أو يسارا،ولايرونه واقفا على مسافة واحدة بين الفريقين، وتلك كارثة بلاشك،قد تمنعك أن تقدم وجهة نظر معينة، فيتم اتهامك بالانحياز لطرف دون الآخر،إلى هنا يبدو الأمر طبيعيا، لكن المصيبة ان يصفك المختلفون معك بالمداهن والمتلون تصل احيانا حد المنافق..ومنذ اندلاع الثورة قبل عامين وللآن عانت كثير من النماذج من هذه الاتهامات،قد يكون أنا أو أنت أو غيرنا تعرض لهذا الموقف،وعبثا تحاول أن تنفى عن نفسك التهمة،يقولون لك بأن النفى اثبات،أقول ذلك بعدما تم تصنيف الشعب بلا استثناء لعدة فصائل،فاذا لم تقدم ما يثبت انك تكره الاخوان..! "مابين فاصل شرشحة وإلصاق ابشع التهم بهم.. تبدأ بالمتاجرين بالدين وتنتهى بالاخوان الصهاينة"، فانك اخوانى لا محالة أو انك تلبس عباءة الاخوان"الشبح" التى لا تكشف عن هويتك إلا إذا قلت رأياً يتوافق ورؤاهم.. واذا أظهرت كرهك للاخوان بصدق معترضا على سياستهم بشكل أو بآخر، فانك كافر وملحد وعلمانى، ومابين هذا وذاك تضيع آراء قد تكون الأصوب،ويحتاجها الوطن بالفعل ولايلتفت إليها أحد، والتهمة واضحة إما معك أو ضدك،إذن المشكلة أكبر منا جميعا وتحتاج لتغيير عقول، لا تغيير أشخاص بمعيتهم وإلا احتجنا لتغيير الشعب كله،والجزء الأكبر من المشكلة اننا لم نتعود الديمقراطية على مر ستة أجيال تم تجريفهم بحكم شمولى دائم،منذ رحيل الملك فاروق عن مصر باندلاع ثورة 1952،ومنذ ذلك التاريخ والعقول مرضت (بفوبيا رفض الآخر) وهى معاناتنا جميعا قد يتفق معى البعض أو يختلف، لكن لابد أن نعترف بكل عيوبنا لو أردنا لانفسنا صلاحا وفلاحا، ينعكس على صلاح وفلاح الوطن.. لكننا مكابرون أو عاجزون عن مواجهة انفسنا، باصرار كل طرف أنه على صواب، وبالتدقيق تجد ان كلاهما على خطأ، طالما يتناحران يتشابكان فقط من اجل اثبات الذات لا لإثبات حبهما وعشقهما للوطن..بل كل طرف يسعى باستمرار لتبرئة نفسه من اتهامه بالقصور والتدنى فى لغة الحوار، وقد يضيع اياما وشهورا لاثبات أنه بريء من كل التهم، وبينهما تضيع كل فرص الاصلاح.. فدائما أول طرق الإصلاح الاعتراف بالخطأ، ومن لايعترف بالخطأ يظل فى تراجع مستمر لينحدر سريعاً لهوة سحيقة،فالشجاعة ليست فى مواجهة الآخرين لمجرد أنهم ضدى أو محاباتهم لأنهم معى، بل الشجاعة الحقيقية أن نواجه أنفسنا وننظر فى المرآة كل وقت وكل حين، ونتجرد للحقيقة،ونكون صرحاء صادقين مع النفس،وقتها سنكون صرحاء صادقين مع الغير،وهذا سهل للغاية لو تنازلنا بهدوء وتواضع من أجل الوطن، لا نكابر ولا نجاهر بالصلف والغرور، طالما كرهنا طرفا لا يتسق وتطلعاتنا ويؤمن بنفس أيديولوجيتنا ..الشهور تمر تعقبها السنون،والفرص تضيع ومعها يضيع الوطن،الذى يحتوينا جميعا، ونحن نرفض أن نحتويه..التهم نوزعها فيما بيننا ونبحث دائما عن ضحية نقدمها نعريها نفضحها على المسرح امام الجمهور، ننتشى كثيرا وتطرب آذاننا لتصفيق الجمهور اعجابا بفضح الضحية..!، ما هذا الذى نراه،كلنا يمدح نفسه مؤمن بآرائه،معجب بتعنته يسعد أكثر كلما تباعد خطوة عن ما هو لايؤمن بفكره، فيرى أنهما ابدا لن يلتقيا، فالإسلامى متطرف متاجر بالدين انتهازى،والليبرالى علمانى كافر لن يشتم رائحة الجنة وقتله واجب شرعى، عقول لاتصلح أن يقال عن أصحابها انهم مثقفون،بل لو بحثنا فى قاع الريف وقلب الصعيد والواحات والعشوائيات،سنجد عقولا افضل بكثير من هؤلاء،عقولا متفتحة متسامحة راضية مؤمنة بسيطة لاتنكر وجود الغير،وجوه هى الأجمل واجساد تحتوى على قلوب هى الأنقى، وعشقها للوطن بلاثمن، بل هو عشق ولد من رحم المكان وليس عشقا لمنصب أو جاه،نحن زائلون والوطن باق متى نعى ذلك هل نحن فى غفوة؟! نعم بالتأكيد، وأخيرا بالمناسبة هل أنت اخوانيا أم كارها للاخوان.؟!.