قبل يوم واحد من إعلان استقالة محمد منصور تاجر السيارات المعروف والذي تولى وزارة النقل والمواصلات في مصر لخبرته العميقة في استيراد السيارات الأمريكية ، قال بالفم الملآن أنه يتحمل المسؤولية عن كارثة العياط التي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من المواطنين البسطاء ولكنه لن يستقيل من منصبه ، وهي عادة المسؤولين في مصر ، ولكن يبدو أن فجاجته في الكلام دفعت البعض إلى أن يقرر إقالته دفعا لحملة الهجوم العنيف الذي تعرضت له الحكومة في الشارع والصحافة والبرلمان حتى من أعضاء الوطني أنفسهم ، تمت إقالة محمد منصور ، ولم يعلن أحد في مصر استقالة الوزير ، ولكن الخبر الذي تم نشره رسميا هو : تم قبول استقالة الوزير ، دون أن يعرف أحد أن الوزير كان قد استقال أصلا ، وأتصور أن من يتوجب محاسبته ليس فقط محمد منصور الذي توالت في عهده الكوارث في السكك الحديدية أو في وسائل النقل العادية كما شهدت حقبته أوسع عملية تخريب للمواصلات العامة لحساب ديناصورات جديدة تتربص بهذه التركة الكبيرة ، ولكن تتوجب محاسبة من اختار تاجر سيارات لكي يكون وزيرا للمواصلات في مصر متجاهلا العشرات من كبار خبراء النقل وأساتذته في جامعات مصر وفي الخارج ، حيث توزع الوزارات في مصر كهبات للأصدقاء والمحاسيب ، وتدار الوزارات بنظام الفهلوة ، وليس الخبرات والكفاءات ، غير أن مصيبة وزير النقل تحديدا أن الفهلوة في تلك الوزارة لا تصمد كثيرا ، وبالتالي توالت الكوارث ، محمد منصور فهم الوزارة كتوكيل للسيارات ، ولعب على هذه الفرضية ، فانشغل بمنظومة الدعاية والإعلان على حساب العمل الفعلي ، وأنفق من المال العام عشرات الملايين من الجنيهات على صحف وقنوات أصدقائه من حيتان الزمن السعيد الجديد ، لكي يتحدثوا عن الإنجازات الهائلة لمعاليه في السكك الحديدية في مصر وفي مختلف القطاعات ، وكيف أنها أصبحت تضاهي مثيلاتها في ألمانيا واليابان والولايات المتحدة ، بطبيعة الحال سيجد القارئ هذه الأيام مناحة على الوزير السخي من قبل هؤلاء الذين التهموا الكعكعة وكانوا يتعيشون على كرمه وسخائه ، وبعضهم راح يدافع عنه بفجور غير مسبوق بأنه ليس مسؤولا عن خفير مزلقان ترك مكانه ليفك زنقته خلف أحد الحوائط أو أن جاموسة أطاحت بالوزير ، وسيتم تجاهل مئات الضحايا وعشرات الحوادث الصغيرة والكبيرة التي وقعت في عهده ، حتى أن مسلسل الموت على الأسفلت أو على السكك الحديدية أصبح ظاهرة يومية اعتيادية في مصر ، وسيتجاهل الجميع تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات الذي تحدث مرارا عن مستويات غير مسبوقة في الفساد في وزارة النقل والمواصلات مثل إهدار المال العام والفوضى الإدارية الواسعة ، سيتجاهل أصحاب المناحة ما يراه الناس بأعينهم من اهتراء الخدمات في السكك الحديدية ، سواء في قطارات الغلابة حيث لا تصلح كثير من قطاراتهم لنقل الآدميين ، أو حتى في قطارات الميسورين حيث ينشغل الراكب كثيرا بمطاردة الصراصير والحشرات المختلفة التي تتسلل إلى جوار رأسه أو أغراضه أو حيث يتنافس الركاب في البحث عن شيء يغلقون به الأبواب التي لا تغلق ، الفهلوة وشراء الذمم والمبادئ التاريخية الشهيرة من مثل "اطعم الفم يستحي القلم" التي كانت تدار بها وزارة النقل هي ذاتها الفهلوة وشراء الذمم التي تدار بها الكثير من وزارات مصر ومستويات الخراب في كل منهم متقاربة جدا ، ولكن الفارق أن فساد بعضهم وفهلوته يكون من عواقبه إراقة الدماء وقتلى وجرحى ، وأما الآخرون فالعاقبة مجرد إهدار للمال العام وتخريب في بنية الدولة وتمكين المزورين واللصوص من مفاتيح القرار وتوزيع أصول البلد على المحاسيب والأصهار ، وهذه كلها أمور بسيطة لا تستفز أحدا ولا تسيء إلى أحد في المحروسة . [email protected]