عندما تتجاوز المعارضة كل الخطوط الحمراء وترفع شعار «المقايضة»، إما محاكمة مرسي، وإما الإفراج عن مبارك، فأنا أختار محاكمة مرسى حتى ولو كانت التهمة هى الخيانة العظمى، ولا غرابة فإن الرئيس متهم إلى أن تثبت براءته طبقاً للدستور الجديد.. للتاريخ ولأول مرة فى حياتى الصحفية وعمرها حوالى نصف قرن أتجرأ وأتهم رئيس الجمهورية بالفشل فى محاكمة مجرمين عموميين مخربين لا يعترفون بالرئيس رئيساً إلا عند توجيه تهمة القتل إليه، بل وصل بهم الفجور إلى حد المطالبة بمحاكمة الرئيس بتهمة إهانة مبارك.. لم أكن أتوقع أن أشاهد الرئيس مرسى وهو يتحدث عقب أحداث اليوم الأسود فى 25 يناير وكأنه وزير داخلية يعلن أن هناك جهات سيادية متورطة فى جرائم العنف المسلح دون أن يفصح عن هذه الجهات، فى الوقت الذى تهلث فيه الناس لمعرفة من هو المجرم الحقيقى المحرك للخراب والدمار الشامل، بل والانتقام الوحشى من الشعب بدون شفقة أو رحمة.. من هو المجرم الحقيقى الذى أرسل «الونش» إلى قصر الاتحادية لخلع واستئصال البوابة الرئيسية للقصر، بل والقصر نفسه إذا كان ذلك ممكناً؟ من هو المجرم الذى سمح «للونش» أن يقطع شوارع القاهرة وربما كان فى حراسة كى يصل بأمان لنقل القصر وتسليمه للرئيس الجديد.. الناس تسأل.. والرئيس لا يجيب.. من حق الرئيس أن يقبل الإهانة لشخصه ولمنصبه وأن يتنازل عن حقوقه إن كانت له حقوق، لكن ليس من حق الرئيس أن يتذرع بالمواءمة أو الملاءمة أو المرونة بعد أن أصبحت كلها كروتاً محروقة لا تساعد إلا على حرق مصر. ورغم أنها نبرة ديمقراطية عالية إلا أننى أتهم الرئيس المصرى بالانحياز للديمقراطية على حساب الأمن والاستقرار.. تخيلوا فى المرة اليتيمة التى قامت فيها وزارة الداخلية ولأول مرة منذ قيام الثورة بأداء دورها فى مكافحة الشغب دون استخدام الرصاص الحي، والسحل لمن يستحق السحل لإعادة الانضباط إلى الشارع المصرى المشتعل هو ليس متظاهرًا وإنما هو مخرب جاء إلى القصر للمشاركة فى حرق القصر يحمل 18 زجاجة حارقة، حسب الداخلية، ورغم ذلك فإن الدنيا قامت ولم تقعد فى حملة شرسة على وزارة الداخلية التى كانت أيام مبارك من الوزارات المقدسة، والتى لا يستطيع صحفى أيًا كان مستواه وإلا كان مصيره السجن إذا حاول الاقتراب من السلطة المحمية من رئيس الجمهورية، حتى شيخ الأزهر المصون، الذى تبرأت جبهة الإنقاذ من التوقيع على وثيقته الإعلامية لنبذ العنف، وأعلنت الجبهة فى نفس الوقت محاكمة الرئيس مرة بتهمة الخيانة العظمى، وثانية بتهمة قتل المتظاهرين، وثالثة بتهمة إهانة مبارك.. كان شيخ الأزهر على رأس قائمة المزايدين على وزارة الداخلية التى كان يدفع لها أموالاً من ميزانية الأزهر أيام مبارك من أجل حمايته وليس حماية المشيخة. وفى النهاية فإن المسئولية الكاملة تمسك أول ما تمسك برقبة الرئيس مرسي.. لكن لن يفلت من حساب التاريخ مسئول مصرى واحد يملك سلطة الردع السلمى والإنقاذ، فإن وصف الحالة المصرية الراهنة بالخطورة على الأمن القومى المصرى لا يكفي.. والحل هو التدخل لمنع الخطر قبل وقوعه.