صدر أمس الاربعاء 25 مايو تقرير منظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان؛ تغطية لأحداث عام 2004م؛ وفي الجزء الخاص بمصر أبرز التقرير حالات التعذيب التي شهدتها ساحة الأقسام والسجون المصرية وكان معظم ضحاياها من نشطاء الإسلاميين؛ ولا سيما أعضاء جماعة الإخوان المسلمين التي يحظرها قانون السلطة في مصر؛ وفي مقدمة ما أبرزه التقرير في هذا الصدد وفاة الدكتور أكرم الزهيري عضو الإخوان في يونيو 2004؛ إثر تعرضه لتعذيبٍ، أثناء التحقيق بفرع أمن الدولة بمدينة نصر، أفضى إلى كسر في ساقه الذي أفضى بدوره إلى وفاة المعتقل بعد عودته لسجن مزرعة طرة؛ نظراً لإصابته بالسكر وامتناع إدارة السجن عن توفير الرعاية الطبية له وللمعتقلين .. وأشار التقرير أن الدكتور أكرم كان ضمن 60 إخوانياً تم القبض عليهم في مايو 2004، عشية انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى التي شارك فيها الإخوان، وكانت التهم "المعتادة" الموجهة لهم هي الانتماء لتنظيم محظور رسميا وحيازة منشورات ضد النظام والعمل على قلب نظام الحكم؛ قبل الإفراج عنهم في نوفمبر التالي .. وتعرض هؤلاء لصنوف مختلفة من التعذيب أثناء تحقيقات أمن الدولة؛ منها التعليق من الساقين أو الرسغين والضرب والصعق بالكهرباء؛ وامتصاصاً للغضب الناتج عن حادث الوفاة؛ وافق مجلس الشعب على توجه لجنة برلمانية لتقصي الحقائق بمقر السجن، وأكدت اللجنة صحة إدعاءات التعذيب .. وأشار التقرير أنه لم يُقدم أحد من المتهمين بممارسة التعذيب إلى ساحة العدالة، حيث تقاعست السلطات عن إجراء تحقيقات وافية ونزيهة على وجه السرعة. ومع ذلك، أُجريت بعض المحاكمات لأشخاص زُعم أنهم ارتكبوا التعذيب، ولكنها اقتصرت على القضايا الجنائية وليس السياسية.. من هذه المحاكمات ما قضت به محكمة جنايات الإسكندرية في مارس 2004 من معاقبة ثلاثة من ضباط الشرطة بالحبس لمدة عام والإيقاف عن العمل لمدة عامين، ثم أُحيل الثلاثة إلى محكمة تأديبية أصدرت حكماً إضافياً بفصلهم نهائياً من الخدمة، كما بُرئت ساحة ثلاثة آخرين. وكانوا جميعهم قد حُوكموا في إطار القضية الخاصة بالقبض على سائق حافلة مدرسية، يُدعى محمد بدر الدين جمعة إسماعيل، واحتجازه وتعذيبه في الإسكندرية عام 1996. وأكد التقرير على تجاوزات الشرطة في أعقاب تفجيرات طابا التي استهدفت إسرائيليين في 7 أكتوبر، حيث قُبض على عدد كبير من الأشخاص في شمال سيناء خلال النصف الثاني من أكتوبر. ولفتت إلى التباين الكبير في التقديرات الرسمية و الحقوقية لعدد المقبوض عليهم بسبب الهجمات، فالرسمية منها ذكرت أنهم لا يزيدون عن 800 شخص، بينما قدرت بعض المنظمات المحلية غير الحكومية عدد المقبوض عليهم بنحو ثلاثة آلاف. وذكر كثيرون ممن أُطلق سراحهم في نوفمبر أنهم تعرضوا لتعذيب مرعب في فروع مباحث أمن الدولة ومقرها الرئيسي بلاظوغلي . وألمح إلى عشرات الشكاوى التي قدمت إلى النائب العام بخصوص أوامر اعتقال المقبوض عليهم، وأن 15 شخصاً فقط حصل على حكم بالإفراج عنهم في ديسمبر، ولكن لم يكن قد أُفرج سوى عن ستة بحلول نهاية العام . وحول القيود المفروضة على حرية التعبير أشار التقرير إلى عدم تفعيل القانون الذي أصدره مبارك في يونيو بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر مؤكدا استمرار الزج بالصحفيين في السجون وتهديدهم والاعتداء عليهم بالضرب .. مستشهداً بواقعة تعرض عبد الحليم قنديل، رئيس تحرير صحيفة "العربي" الناصرية لاعتداء على أيدي أشخاص يرتدون ملابس مدنية لدى عودته إلى منزله في ساعة مبكرة من صباح يوم 2 نوفمبر، حسبما ورد. وأورد أيضا أنه كُمم وعُصبت عيناه وتعرض للضرب وجُرد من ملابسه ثم أُلقي على الطريق السريع بين القاهرة والسويس. ووافق التقرير أن الاعتداء كان محاولةً من السلطات لإخراس انتقاداته باعتباره عضواً في "الحركة المصرية من أجل التغيير" (كفاية) . وعن القيود وإجراءات القمع التي تتعرض لها منظمات المجتمع المدني ذكر أن عدة منظمات، من بينها "الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب" و"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، واصلت مباشرة الإجراءات القانونية للطعن في قرار وزارة الشؤون الاجتماعية برفض تسجيلها كجمعيات أهلية. ووصف ما حدث ل "مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف" في يوليو وأغسطس بأنه استهداف لنشاطه؛ حيث زارت المركز لجنتا تفتيش من وزارة الصحة التي اتهمت المركز بعدد من المخالفات، من بينها مزاولة أنشطة غير مرخص لها كمنشأة طبية. ويقضي القانون الخاص بالمنشآت الطبية بمنح المركز مهلة 30 يوماً لتصحيح أوضاعه وإزالة المخالفات وإلا تعرض للإغلاق.. ملمحا أن المركز لا يزال يواصل نشاطه دون التيقن من مستقبله . وفي بند لقبه ب"المحاكمات الجائرة" أكد التقرير استمرار محاكمة مدنيين أمام محاكم شُكلت بموجب قانون الطوارئ، ومن بينها المحكمة العسكرية العليا التي قضت في أبريل بالسجن لمدة 25 عاماً، خففت فيما بعد إلى 15 سنة، ضد أحمد حسين عجيزة، بعد محاكمة وصفها التقرير بأنها جائرة . وكان قد أُعيد قسراً من السويد إلى مصر في ديسمبر2001، وبعد عودته احتُجز في مكان سري لأكثر من شهر، وتعرض للتعذيب، بالرغم من تأكيدات السلطات المصرية للحكومة السويدية بأنه لن يتعرض لمعاملة سيئة.. حيث أبرز البيان تأكيدات الحكومة السويدية في ديسمبر بأنها تلقت معلومات بأن أحمد حسين عجيزة تعرض للتعذيب في مصر. وكان المتهم قد أُدين أول الأمر غيابياً في عام 1999، لما زُعم عن صلته بإحدى الجماعات الإسلامية المسلحة، وكانت محاكمته الثانية في عام 2004 بمثابة إعادة محاكمة. وعن عمليات تسليم المطلوبين التي تمت في 2004 م أشار التقرير إلى أن السلطات طلبت تسليم مواطنين مصريين من عدة دول، من بينها البوسنة والهرسك وأوروجواي واليمن. وأن الأخيرة قامت بالفعل في فبراير بتسليم 15 مصرياً، من بينهم د. سيد عبد العزيز إمام الشريف، ومحمد عبد العزيز الجمل، وعثمان السمَّان. وكان قد حُكم بالإعدام غيابياً على كل من محمد عبد العزيز الجمل وعثمان السمَّان، حيث صدر الحكم على أولهما في عام 1999، وعلى الثاني في عام 1994. وظل مصير ومكان من أُعيدوا في طي المجهول بالنسبة لمنظمة العفو الدولية، وكذلك بالنسبة لذويهم ومعارفهم، حسبما ورد بالتقرير. الذي ذكر أن تسليم أولئك الأشخاص جاء مقابل إعادة معارض يمني هو العقيد أحمد سالم عبيد. كان التقرير قد بدأ بخلفية سريعة عن الأوضاع السياسية في مصر ذكر فيها أجواء الشك، من المسيسين ونشطاء المجتمع المدني، التي أحاطت بتأسيس "المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان"؛ ورفض الحكومة لإشهار حزبي "الوسط" و"الكرامة" وموافقتها على حزبي "الغد" و"الاشتراكي الدستوري"؛ وكذلك الإفراج عن مئات المعتقلين المنتمين لتنظيم "الجماعة الإسلامية" في إطار صفقة المراجعات الشهيرة .