حذَّرت منظمة العفو الدولية من خطورة المادة 179 التي تم إقحامها في الدستور المصري بعد التعديلات الدستورية الأخيرة. وأكدت المنظمة - في تقريرٍ لها صدر أمس الأربعاء – أن قانون مكافحة الإرهاب الذي تضمنته التعديلات الدستورية الأخيرة يرسخ انتهاكات حقوق الإنسان التي دأبت السلطات المصرية على ارتكابها بدعوى حماية الأمن القومي. وطالبت حسيبة حاج صحراوي نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية الحكومةَ بالتأكد من أنَّ القانون المزمع إصداره لمكافحة الإرهاب لا يرسخ هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان. وقالت صحراوي إن آلاف المصريين قد اعتُقلوا باسم الأمن واحتُجز بعضهم بدون تهمة أو محاكمة طوال سنوات برغم صدور أوامر عن المحاكم بالإفراج عنهم غالبًا بينما صدرت أحكام على آخرين عقب محاكمات بالغة الجور. وأضافت صحراوي أنه من واجب الحكومة المصرية حماية الشعب ومكافحة الإرهاب وأن الحكومة عندما تفعل ذلك عليها التقيد بالمعايير الأساسية لحقوق الإنسان وبالواجبات المترتبة عليها بموجب القانون الدولي وهذا ما أخفقت بوضوحٍ في القيام به في أغلب الأحيان. ويأتي التقرير الذي يحمل عنوان انتهاكات منهجية باسم الأمن في أعقاب تحذير سابق وجهته المنظمة الشهر الماضي مفاده أن التغييرات الدستورية الراهنة وقانون الإرهاب الجديد المزمع إصداره يمكن أن يُعرِّضا حقوق الإنسان لمزيد من التهديدات. ويصف التقرير عمليات التوقيف التعسفية والاعتقال المطول بدون محاكمة والتعذيب وغيره من مختلف أنواع سوء المعاملة على يد المسئولين الأمنيين خاصةً مباحث أمن الدولة التي تتمتع بصلاحياتٍ واسعة في ظل حالة الطوارئ التي أبقت عليها الحكومة بصورةٍ شبه متواصلة، طوال ال40 سنة الماضية. واستعرضت المنظمة في تقريرها قصة التعذيب التي تعرض لها عماد الكبير، و5 حالات للنقل غير القانوني من دول أخري إلي السجون المصرية والتعذيب فيها وتفاصيل عملية الاعتداء الجنسي علي أبوعمر المصري بعد نقله من إيطاليا إلي مصر بمعرفة المخابرات الأمريكية. كما أدان التقريرُ استخدام محاكم الطوارئ والمحاكم العسكرية الخاصة لمحاكمة المدنيين المتهمين بارتكاب جرائم أمنية، وأكد أنَّ إجراءاتها "مجحفة"، مشيرًا إلى بعض الذين مثلوا أمام هذه المحاكم قد نالوا حكمًا بالإعدام، وتمَّ تنفيذ الحكم فيهم. ووفقًا للتقرير، تظل مصر أيضًا محطةً رئيسيةً في "الحرب العالمية على الإرهاب" التي تشنُّها الولاياتالمتحدة، كما يؤكد أن الولاياتالمتحدة والحكومات الأوروبية والعربية قد أعادت العديد من المواطنين المصريين المتهمين ب(الإرهاب) من الخارج برغم تعرُّضهم لخطر التعذيب على يد السلطات المصرية. وتشير منظمة العفو الدولية في تقريرها إلى أنَّ هؤلاء الذين تمَّت إعادتهم إلى مصر جرى اعتقالهم وتعذيبهم، مضيفةً أنه "يظل الغموض يلف مصير بعض الذين وقعوا ضحايا لعمليات (الترحيل السري) غير القانونية التي قامت بها الولاياتالمتحدةالأمريكية ولم يكشف النقاب قط عن هوياتهم، ولا عن سبب احتجازهم أو مكانه". وقالت صحراوي إنه ينبغي على السلطات المصرية أن تعترف بالحقيقة، وتكشف أسماء جميع المتهمين بالإرهاب الذين تعرَّضوا "للترحيل القسري" أو نُقلوا على نحو آخر إلى حجزها من الخارج، وعددهم وجنسياتهم ومكان وجودهم الحالي". ويتضمن التقرير 6 توصيات رئيسية مطلوب من السلطات المصرية تنفيذها لكسر دوامة الانتهاكات، بما في ذلك: وضع حدٍّ للاعتقال بمعزلٍ عن العالم الخارجي، والاعتقال السري، وإجراء تحقيقٍ سريع وصحيح في جميع مزاعم التعذيب. وأوضحت صحراوي أن التعذيب يُستخدم على نطاقٍ واسعٍ من جانب أفراد مباحث أمن الدولة وغيرها من أجهزة الأمن وتنفيذ القانون؛ لكن نادرًا ما يتم التحقيق في المزاعم وعندما يحدث ذلك لا يؤدي إلى نتائج تُذكر"، وأضافت أنه "يجب على الحكومة أن ترفع الستار عن ظاهرة الإفلات من العقاب التي تحمي أولئك الذين يمارسون التعذيب باسم الدولة". وشددت المنظمة على ضرورة أن تسمح الحكومة المصرية لخبراء حقوق الإنسان في الأممالمتحدة المعنيين بالتعذيب ومكافحة الإرهاب بالدخول الفوري إلى البلاد في وقتٍ تعكف فيه على صياغة قانون جديد لمكافحة الإرهاب، موضحةً أن هذه الزيارات ستشكل مؤشرًا واضحًا على التزام الحكومة بالتمسك بالواجبات الدولية المترتبة عليها حيال حقوق الإنسان. ويأتي هذا الموقف من منظمة العفو الدولية تكرارًا للتعبير عن قلق المنظمة من أن التعديلات الأخيرة في الدستور والتنفيذ الوشيك للقانون الجديد لمكافحة الإرهاب يمكن أن يمهد الطريق لمزيدٍ من الانتهاكات. وبرغم عدم إعلان السلطات المصرية عن أية مسودة بعد بشأن قانون مكافحة الإرهاب إلا أن السلطات قالت إنها درست قوانين مشابهة في عدد من الدول، بينها الولاياتالمتحدة قبل أن يتم إعداد ذلك القانون. وتعليقًا على ذلك قال كورت جورينج- نائب مدير فرع منظمة العفو الدولية- في الولاياتالمتحدة: "إن مصر ترتكب خطأً فادحًا إذا اتخذت من القانون الوطني الأمريكي نموذجًا لقانون مكافحة الإرهاب لديها"، وأضاف أن القانون الوطني مرفوض من جانب كثيرين في الولاياتالمتحدة لأنه "يُشكِّل اعتداءً جوهريًّا على الحريات التي يقدسها الأمريكيون منذ زمنٍ طويل، بسبب الطريقة المتعجرفة وغير المبالية التي ضحَّى فيها بحقوق الإنسان وسيادة القانون باسم الأمن". قالت منظمة العفو الدولية: إن التعديلات الدستورية الأخيرة في مصر تشبه قانون الطوارئ الأمريكي، لأنها اعتدت علي الضمانات القانونية القليلة لحقوق الإنسان، التي كانت موجودة في الدستور. وأضافت المنظمة في تقريرها الذي أعلنته أمس في القاهرة تحت عنوان «مصر.. انتهاكات منهجية باسم الأمن»، أن الوضع في مصر تدهور، وأصبح أكثر سوءاً بعد هذه التعديلات، مشيرة إلي أن السلطات المصرية مستمرة في ارتكاب انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان باسم الأمن القومي.