أكد مثقفون مصريون أنه لا نية جدية لدى النظام المصري في القيام بعملية إصلاح حقيقية ، للخروج من حالة الجمود التي يعاني منها المجتمع المصري منذ ما يقرب من ربع قرن . وأشار الدكتور عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية السابق إلى أن حالة طوارئ المزمنة خيمت بطابعها الأمني على الحياة الاجتماعية والسياسية، خصوصا وأنها استخدمت دعامة رئيسية لتكريس الجمود باسم الاستقرار. ولفت الأشعل إلى أنه مع مجيء المحافظين الجدد إلى السلطة في الولاياتالمتحدةالأمريكية ظهرت أجندة جديدة ترى أن النظم السياسية العربية فقدت شرعيتها وأن دعم الاستبداد في الشرق الأوسط وفق المفهوم الأمريكي ، قاد إلى ظهور أجيال إسلامية عنيفة صدرت إنتحارييها إلى قلب أمريكا لأول مرة في تاريخها وهو ما عرف بأحداث 11 سبتمبر. وأضاف أنه " في ظل هذه الحالة المأزومة داخلياً وخارجياً، كان لابد وأن يقدم النظام المصري على خطوة إصلاح اعتبرها "قفزة" بينما اعتبرها الآخرون "ناقصة". ومن جانبه ، أكد الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أنه لا يوجد أي تغيير حقيقي في مواقف الحزب الوطني وتصرفات الرئيس المصري ، فمن الواضح أنه لا نية لإلغاء الطوارئ ولا للسماح بحزب للإخوان المسلمين ولا نية لتقليص الصلاحيات الضخمة لرئيس الجمهورية وإعادة النظر في باقي مواد الدستور. وأعرب السيد عن اعتقاده بأن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون أقرب إلى النموذج التونسي حيث يتسلح الرئيس بالأمن والإعلام في مواجهة عدد لا حول له ولا قوة من المرشحين . من جهته ، رأى المستشار طارق البشري أن ثمة اندماج جرى بين السلطتين التنفيذية والتشريعية والحزب الحاكم فتيبست الحياة السياسية في مصر، وتكلست في يد أشخاص محدودين على مدى ثلاثين عاماً، وأصبح الحزب الوطني الحاكم مجرد واجهة لسلطة الدولة المركزية، أما السلطة التشريعية فموجودة لكن من دون استقلال. واعتبر البشري أن هذا هو ما ينطبق أيضا على السلطة القضائية التي تعاني حصاراً جائراً من قبل رجالات الحكومة في وزارة العدل وكان طبيعيا في ظل هذا الوضع أن تتقلص الأحزاب المعارضة في حدود صحف محاصرة وضعيفة الانتشار ومقرات وغرف مغلقة لاجتماعات الأعضاء غير المسموح لهم بأي تفاعل جماهيري واسع النطاق وبقيت النقابات المهنية والعمالية خاضعة للسيطرة الحكومية. وفي السياق ذاته ، أكد الدكتور إبراهيم العيسوي أن " كل ممارسات النظام المصري أكدت إصراره على قصر التعديل الدستوري على المادة 76 وحدها وإغراق المجتمع السياسي في مسائل تفصيلية وإجرائية متعلقة بالضمانات وجدية الترشيح ". وأشار إلى أن هذا ما حدث بالفعل في البرلمان الذي يهيمن عليه الحزب الوطني الحاكم حيث حصر التعديل في أضيق نطاق واتخذ مسألة ضمانات الترشيح مبررًا للاستمرار في احتكار الحياة السياسية . وأعرب العيسوي عن اقتناعه بأن كل ما جرى وما سيجري من تغيير سيظل شكليا فحتى لو استجاب النظام لكل مطالب المعارضة وأحدث تغييرا ديمقراطيا واسع النطاق فستبقى قضية بالغة التأثير في مصر وهي قضية المساواة والعدل الاجتماعي معلقة ومفقودة على أهميتها لجماهير الشعب المصري التي ترزح تحت مظلة الفقر والجوع والبطالة والمرض. ومن جانبه ، أكد عبد الله السناوي رئيس تحرير جريدة "العربي" الناطقة بلسان الحزب الناصري أن مصر مقبلة على تغيير حقيقي في النظام السياسي .ورأى السناوي أنه إذا ما تمكن القضاة من انتزاع استقلال حقيقي للقضاء المصري وفرضوا إشرافا قضائيا كاملا على الانتخابات التشريعية والرئاسية ، فإننا سنكون أمام تغيير حقيقي في طبيعة الدولة المصرية بما يوسع من الحريات العامة، ويسمح بمطاردة الفساد والمفسدين ورفع حماية الدولة عن هؤلاء الذين ينتهكون حقوق الإنسان والحريات العامة . وأشار السناوي إلى أن انتفاضة القضاة ليست عفوية أو بنت ظروف طارئة لكنها تعبر عن تيار واسع هو تيار الاستقلال في مواجهة التيار الخاضع للسلطة التنفيذية وتعليمات وزير العدل.