جمال سلطان كان البيان الذي أصدرته الداخلية أمس مفاجئا ، ومغايرا للمعلن في السياسة المصرية من تعاملها بحساسية عالية في الملف الفلسطيني ، والتكتم على ما لا يجوز نشره أو إعلانه ، وتعمد الغموض في التصريحات والتحفظ الشديد في ما يصدر من معلومات ، فجأة أتى بيان الداخلية المفصل والغريب ليتهم الفلسطينيين بأنهم وراء معظم التفجيرات التي حدثت في سيناء طوال الأعوام الماضية وآخرها تفجيرات دهب ، وأنهم دربوا أو ساعدوا أو خططوا من قاموا بهذه الأعمال ، المسألة لا تتعلق بصحة معلومات من عدمه ، وإنما بالدافع وراء الإعلان عن هذه الاتهامات بصورة مفاجئة وعلنية ومجانية ، إنه مع افتراض أن المعلومات الواردة في التقارير الأمنية صحيحة ، فإن عملية تفجيرها إعلاميا وببيان رسمي عن الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الداخلية هو أمر من شأنه أن يطرح أكثر من علامة استفهام ، المسألة هنا أكبر من كونها ذات بعد أمني وإجرائي ، وإنما ذات بعد سياسي ، فهل إذا حدث وتسلل بعض هؤلاء الشباب إلى مناطق إسرائيلية وقدم لهم بعض الإسرائيليين دعما أو توجيها أو حتى سلاحا ، هل كانت الداخلية المصرية ستعقد مؤتمرا أو تصدر بيانا تقول فيه أن تفجيرات دهب وطابا كانت بدعم إسرائيلي ، أشك في ذلك ، بيان الداخلية المصرية كان حريصا على أن يبعد أي شبهة عن تنظيم القاعدة أو أن تكون له صلة بالأحداث ، ولا أدري لماذا ، ثم إذا كنت تستبعد تنظيم القاعدة ، وحصرت المسألة في أصوليين فلسطينيين ، فأنت على سبيل الحصر تقصد حركة حماس أو الجهاد الإسلامي ، ولا ثالث لهما في النشاط العسكري والسياسي في الأراضي المحتلة ، فما معنى هذا الكلام والاستنتاج البديهي الذي نخرج منه ، ثم لماذا حرصت على أن تستبعد تنظيم القاعدة أو شخصيات متصلة به والأخبار تواترت في الفترة الأخيرة عن وجود بعض خلايا لتنظيم القاعدة في فلسطين ، ما هذا الحرص الجميل المجامل على تنزيه تنظيم القاعدة من أن يكون متورطا بصورة أو أخرى في الأحداث ، هل هذه فرضية أمنية أيضا أم أنها "هندسة سياسية" تحرص على أن تؤكد للأوساط الاقتصادية والسياحية الدولية أن مصر ليست مخترقة من الإرهاب الدولي ، أيضا تأتي إشكالات أخرى عديدة في توقيت إذاعة الخبر بعد ساعات من انتهاء مؤتمر شرم الشيخ واللقاءات "الغامضة" التي تمت بين قيادات سياسية مصرية وشخصيات أخرى غربية وأمريكية تحديدا منها شخصيات استخبارية صريحة ، وما تمخض عن هذه اللقاءات من تصريحات منسوبة لرئيس الوزراء المصري عن قلق أمريكي من نمو الحركات الإسلامية في مصر وفلسطين ، أيضا تأتي هذه التصريحات التي تدين أهل فلسطينالمحتلة بأنهم متورطون في الإرهاب داخل مصر تأتي بعد أسابيع من "الفيلم الهندي" الذي وزعته الاستخبارات الأردنية حول ضبط أسلحة مزعومة لحركة حماس لتنفيذ أعمال تخريبية ضد منشآت وشخصيات أردنية ، أعتقد أن بيان الداخلية الأخير سيهيج الكثير من الخواطر ، ويطرح العديد من علامات الاستفهام حول معناه ومغزاه وترتيباته وتوقيته وتفاصيله ، ويبدو أن الأسابيع المقبلة ستشهد الكثير من القصص المشابهة . [email protected]