تشهد دوائر اتخاذ القرار الآن مداولات بالغة الدقة في كيفية الخروج من المأزق الذي وضُعت فيه السلطة ، جراء الاعتداءات التي ارتكبتها عناصر محسوبة على الحزب الوطني و من جهاز الشرطة على متظاهرين يوم الاستفتاء من بينهم صحافيات ، تعرضن لما يعتبره القانون المصري "هتك عرض". التقارير التي كتبتها سفارات غربية بالقاهرة و أرسلتها إلى بلادها أثارت قلق القوى الغربية على مستقبل الاستقرار في مصر ، و هزت من ثقتها في قدرة النظام على التعاطي مع ملف الاصلاح بعقلانية ، تضمن تمرير التحولات المتوقعة في طريقة تداول السلطة ، بدون اضطرابات أمنية و فوضى سياسية قد تؤثر على مستقبل المنطقة بأسرها . افصحت مصادر مطلعة عن أن عواصم غربية ، أبدت قلقها خلال اتصالات سريعة أجرتها مع واشنطن عقب الاعتداءات الوحشية التي تعرض لها متظاهرون اصلاحييون ، وطالبت الادارة الأمريكية بالتدخل لدى حلفائها المصريين و اسداء النصح لهم ، و الضغط عليهم لإجراء تحقيقات جادة لإحالة المتورطين في اعتداءات يوم الاربعاء 25/5/2005 إلى القضاء ، فيما مارس سياسيون و صحافيون أمريكيون ضغوطا على البيت الابيض لاتخاذ موقف يحرج النظام المصري و يحذره من مغبة التعرض للمتظاهرين ، و التحايل باستخدام ممارسات غير أخلاقية ضدهم . تقول المصادر إن هذه الضغوط هي التي حملت الرئيس الأمريكي جورج بوش على أن يطلب الرئيس مبارك تليفونيا و يبلغه اعتراض بلاده على هذا الاسلوب الغير إنساني في التعامل مع المعارضة ، و كشفت تلك المصادر أن بوش تلقى وعدا من نظيره المصري ، بتقديم المتورطين إلى العدالة ، و هو ما فهم منه أن القاهرة بصدد تقديم "كبش فداء" بالتخلص من بعض قياداتها الحزبية و الأمنية ارضاء لواشنطن و كمبادرة لابداء حسن النية ، و على جدية الحكومة المصرية في اجراء اصلاحات ديمقراطية حقيقية في غضون ذلك أكدت وكالة انباء "الأسوشيتد برس" مساء أمس الخميس أنباء أفادت بأن قرار إقالة وزير الداخلية المصري حبيب العادلي تتم دراسته في الوقت الحالي داخل أروقة الحكومة المصرية فيما رفضت وزارة الداخلية المصرية التعليق على النبأ و في هذا السياق تخلت مؤخرا مرجعيات صحفية و فكرية كبيرة و مؤثرة و قريبة من دوائر صناعة القرار، عن حذرها ، فيما يتعلق بأجندة السلطة في اعادة ترتيب الاوضاع القانونية و الدستورية لتكون على مقاس نجل الرئيس ، و تتحدث الآن جهرة في الاماكن و المنابر التي تتواجد عليها ، عن خطورة ما أسمته الألاعيب القانونية أو الدستورية، المصممة خصيصا لوضع جمال مبارك على مقعد السلطة قبل الوصول إلى مرحلة الديموقراطية الكاملة، و اعتبرتها عملية مكشوفة تماما و لا يمكن أن تنطلي على الشعب المصري ولن تؤدي إلا إلى المزيد من الاحتقان السياسي في مصر، فضلا عما تنطوي عليه من ضرر قد يسوق البلاد كلها نحو منحدر خطر و حذرت من اصرار الجماعات المتنفذة من رجال الأعمال والسياسة داخل الحزب الوطني على المضي قدما في هذا الطريق الوعر من دون حساب للعواقب. هذه المرجعيات نصحت الرئيس مبارك باتخاذ عدة خطوات لتجنيب مصر من الوقوع في فوضى غير مسبوقة في تاريخها و اقترحت عليه اتخاذ خطوتين متلازمتين يستحيل من دونهما معا فتح الباب المغلق أمام التحول السلمي نحو الديموقراطية الأولى: أن يتخلى شخصيا عن رئاسة الحزب الوطني والشروع فورا في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للفصل نهائيا بين الدولة وحزب الغالبية، والثانية: أن يتخلى نجله جمال، مؤقتا، عن القيام بأي دور سياسي أو حزبي مباشر، والاكتفاء في المرحلة الراهنة، إن كان ثمة ضرورة لذلك، بالاستعانة بجهوده كمبعوث شخصي أو لتنظيم وإدارة ديوان الرئاسة، بعيدا عن أي ظهور إعلامي و ترى هذه المرجعيات أن ذلك سيساعد ذلك كثيرا على إزالة الاحتقان الحادث حالياً في الحياة السياسية المصرية بما يتيح فرصة أفضل أمام التهدئة اللازمة لبدء حوار وطني جاد ينتهي بوضع دستور جديد للبلاد