ونحن فى أجواء العيد الثانى لثورة 25 يناير المجيدة، والتى تمثل لنا الضوء الذى انتظرناه طويلًا حتى نعبر من خلاله للفضاء الأرحب، ونستمتع بنور الحرية، ونستكمل طريق البناء، لنحكى لأبنائنا وأحفادنا عن ثورة أشعلناها، ورفعنا مشاعلها فى السماء لتضىء لنا ولهم الطريق. لكن حين تُغيّب الحقائق قسرًا، يصبح الوهم هو الملاذ الوحيد، والمحيط البديل الذى يبنى فيه الإنسان علاقاته وحياته، وحين تبلغ الحياة ذلك الحد من المأساوية، يصبح الضياع طريقه. وفى ظل وضع كهذا يتكاثر صُناع الوهّم وتجَار الحروب والأزمات، ويُنصبون أنفسهم حُكماءً على حياتنا بأكملها، متنكرين فى مسوح المخلصين المصلحين، المدافعين على القيم الوطنية والمبادئ الإنسانية والحرية والعدالة الاجتماعية دون غيرهم، الأمر الذى يجعلنا نملكهم أرواحنا، ونمنحهم الصلاحية المطلقة فى كل أمور حياتنا، كل ذلك لأننا رأينا فيهم الأمل الوليد والخلاص المنتظر، الذى انبثق ليبدد ظلام يأسنا دون مقابل أو أدنى جهد منا، فنُلزم أنفسنا تجاههم بكافة أشكال الطاعة والولاء، ونتهافت إليهم بقلوب مولعة. هذه هى الصورة المزيفة للجماعة النخبوية التى أرادَ أن يرسمها لنا الإعلام مسَتخدمًا فيها الألوان الجذابة تارة وأساليب الإثارة والتشويق تارة أخرى متناسيين قدر ووعى المواطن الذى يميز بين الخبيث والطيب والذى اتهموه يومًا بأنه لا يصلح للاختيار ولا يجب أن نعطيه حق الاستفتاء. وقد يفقد الإنسان داره، لكن الوطن غالى، والمتربصون كٌثر، والمرحلة دقيقة تحتاج إلى كل سّاعة عمل، لذلك فمن حقنا أن نقلق من الدعوات التى تتناثر هنا وهناك لنشر الفوضى وإحراق الممتلكات؛ ولا أدرى لماذا الإصرار على تغييب العقل والمنطق فى رفع شعارات وزرع الأوهام فى عقول الناس كأخونة الدولة أو السيطرة على مفاصل الدولة، والتى لم يستطع أحد أن يثبتها. وإذا سَلمنا جدلًا بما يزعمونه ويرددونه؛ إذا لماذا الإصَرار على الاحتكام فقط للفوضى والصوت العالى؟؟ لماذا مع كل استحقاق شعبى وجماهيرى نرى هذه الحوادث تتكرر بنفس الصورة مع اختلاف المواقع. ألم يكن من الأولى أن تنزلوا من أبراجكم العالية، وتعايشوا معاناة المواطن معايشة حقيقة؟ ألم يكن من الأولى أن تمدوا يد العون للمرور من الأزمة بدلًا من البحث عن النقاط السوداء؟ ألم يكن من الأولى أن تزرعوا الأمل بدلًا من توزيع الأمانى؟ والأحلام عبر الفضائيات ورسم صورًا وردية لبرامج لن تتحقق إلا فى أحلامكم. فلتتقدموا الصفوف الأولى، وليأتى بكم الناس من خلال الاقتراع وحينها ستُوقفون وستكشفون للمجتمع أخونة الدولة كما تتوهمون. ولقد أثبتت التجارب السَابقة عبر التاريخ أن السّيطرة على مفاصل الدولة تحدث بعد أى انقلاب عسكرى، حيث يبنى نظام حكم غير ديمقراطى، يعتمد على السيطرة على مفاصل الدولة، لتحقيق مشروعه بدون شرعية شعبية، وهو ما حدث بعد انقلاب يوليو العسكرى، وعندما أراد جمال عبد الناصر تفكيك تنظيم الإخوان، والاستعانة بهم ككوادر للدولة، أى أراد السيطرة على مفاصل الدولة من خلال الإخوان، بعد حل تنظيمهم، رفض الإخوان ذلك، لأنهم لا يريدون السيطرة على مفاصل الدولة، كما أن السيطرة على مفاصل الدولة لا تُحقق مشروعَهم، لأن فلسفتهم ومشروعهم يتحقق بالحضور والتأييد الشعبى، وليس بالسيطرة على مفاصل الدولة. وبرغم من أن ثورة مصر جمعت الشعب على رفض النظام القديم، ومطالب عامة كالحرية والعدالة والكرامة، فإن القوى المعارضة مازالت تتصور أنه بإمكانها صياغة مستقبل الثورة بالوكالة عن الشعب، لكنها دائمًا ترتطم بصخرة الواقع، حيث وعى الشعب من ناحية وشعبية القوى الإسلامية من ناحية أخرى، والتى تظهر دائمًا عند الاحتكام لصندوق الانتخابات. فلنترك الميادين ودعوات التخريب والانقلاب على السَلطة الشرعية المنتخبة ولنلتحم بالشارع ونعايش مشاكل المواطنين، ولتغيروا فكرة الباطل يعلو فى الإعلام والحق يعلو فى الصناديق. ( ولكم تحياتى ولمصر الحب كله ) أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]