الإسلام هو الحاضر الأعظم والأكثر تأثيرًا فى الثورة، لذلك لم يكن مُستغربًا أن يكون منهجه وحملة رُؤاه هم الاختيار المفضل للشعوب المُحررة من الاستبداد الذي لم يكن ليستمر طوال هذه السنوات جاثمًا على صدور الشعوب إلا من خلال فكر شاذ عن ديار الإسلام وبعيد عن روح الإسلام وهو الفكر العَلماني. ساندتْ العلمانية الديكتاتورية برعاية غربية فى إذلال الشعوب العربية رَدحًا من الزمن؛ فالعلمانية الشاذة لا تحكم إلا تحت مظلة سلطة استبدادية يُذعن الناس لها، والاستبداد لا يجد ما يبرر له ظلمه وفساده ويلمع وجهه القبيح إلا فى المعسكر العلماني بتنويعاته السياسية والثقافية والفنية التي تفتقدُ للقيمة الخلقية وتعلى من شأن الميكيافلية وتدوس على المبادئ الإنسانية فى طريقها لتحقيق مصالحها الخاصة. ولا غرابة على الإطلاق فى أن تعودَ العلمانية فى نهجها الاستبدادي من صفوف المعارضة للسلطة ذات المرجعية الإسلامية التي اختارها الشعب؛ فالتاريخ والواقع يؤكدان أن هناك تحالفًا دائمًا بين الممارسات الاستبدادية وبين العلمانية؛ فتلك لا تفرض فى واقع مسلم إلا بالاستبداد، وهذا الأخير يموت ويندثر فى الواقع الإسلامي الحُر الذى يُعلى من إرادة الشعوب ويعيد الحقوق لأصحابها. القصة ممتدة عبر الزمن؛ فالإسلام هو أول من وصلَ بتحرير الإنسان إلى القمة عندما يقول رسول الإسلام: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره"، وقال الله فى الحديث القدسي: "يا عبدي أطعني تكن عبدًا ربانيًا تقول للشيء كن فيكون"؛ إلى هذا المستوى إذًا، ليس بالقياس لقوة أرضية مهما بلغت، إنما بالقياس إلى سلطان الخالق جلّ في علاه وقوته التي اختص بها ذاته المُقدسة. والقرآن هو المرجعية الثورية الأولى؛ لأنه المنهج الوحيد الذى تجد فيها الشعوب المستضعفة إرادتها للحرية واسترداد الثروات المنهوبة متوافقة مع الإرادة العليا للكون. وقد خرج الشعب يردد "الشعب يريد...." وفى مخزونه الوجداني آية جامعة من القرآن سبقت كل شعارات الثورة وسبقت الشعوب فى فرنسا وروسيا وأمريكا والدول العربية بالهتاف للحرية والمساواة والخبز والعدالة الاجتماعية، فكانت إرادة الله تعالى هي إرادة الشعوب في التحرر من الاستبداد وأن تكون القيادة للمستضعفين في الأرض وأن تعود لهم ثروات أوطانهم المنهوبة، عندما قال الله: "ونريدُ أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين". الإسلام طبيعته ثورية ومنهجه ثوري؛ فباسمه وتحت رايته وبمنهجه تتحرر الشعوب من الظلم والاستبداد والفساد وتُرفع المعاناة عن كاهل المهمشين وتتغير المجتمعات إلى الأفضل، وتتحقق فعليًا المساواة والعدالة، وليس مجرد شعارات فقط. ولن تجد مثلَ ما في القرآن والسنة تحريضًا وحشدًا فى مواجهة الاستبداد والظلم والفساد والطبقية. ولن تجدَ منهجًا حررَ البشرية على كل الجبهات والميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية كمنهج الإسلام وشريعته. وهو المنهج الذى حرر الإنسان من العصبية القبلية والقومية وجمعَ الإنسانية كلها فى قالب واحد رُومًا وفُرْسًا وأفارقة وعربًا؛ كما قال رسول الإسلام: "أنا سابق العرب وصهيب سابق الروم وسلمان سابق فارس وبلال سابق الحبشة". ومن خلال منهج الله نتعرف على رؤوس الثورة المضادة وكيفية مواجهتها؛ فبمجرد التخلص من رؤوس الاستبداد السياسي يتصدى رموز الاستبداد الاقتصادي الذين انتفعوا من مناخ الاستبداد والفساد لواقع التغيير الجديد ويحاولون بكل ما يملكون عرقلته وإفشاله. وهذا هو الواقع اليوم، وقارئ القرآن لا يندهش عندما يتابع مواقفهم فهي مَرْصودة قبل أربعة عشر قرنًا، كما فى قوله تعالى: "وما أرسلنا فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون، وقالوا نحن أكثر أمولًا وأولادًا وما نحن بمعذبين"، ويقول: "وكذلك ما أرسلنا من قبلك فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"؛ فالمترفون وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة هم دائمًا – إلا من رحم الله – أهل الجمود والعودة للوراء والمحافظة على القديم، وهم دائمًا المناوئون لمحاولات الإصلاح والتغيير. [email protected]