كثرت الأسئلة التي ترد علي حول الثورة العربية المعاصرة وهل هي (ثورة إسلامية) أم لا؟ وكيف تكون إسلامية وهي لا ترفع شعار تحكيم الشريعة..الخ وأقول بأن وصف الشيء بأنه إسلامي أو غير إسلامي من المصطلحات المحدثة التي لا اعتبار لها في أحكام الشريعة، إلا من حيث التعريف والتوصيف للأشياء ليس إلا، فالحكم على الأشياء هو بالنظر إلى مشروعيتها وعدم مشروعيتها، وذلك بحكم الشارع عليها إما بالوجوب أو الاستحباب أو التحريم أو الكراهة أو الإباحة، وقد سبق أن كتبت في ذلك مقالا بعنوان (الثورة العربية رؤية شرعية) وسأحاول تجلية الموضوع هنا أكثر وأكثر فأقول : وصف (إسلامي) استخدمه المسلمون قديما كمصطلح حادث باعتبارين اثنين : الأول : بالنظر إلى العصر، كما أطلقوا على شعراء ما بعد الإسلام (الشعراء الإسلاميين) فيعدون فيهم الأخطل وهو شاعر نصراني، إلا أنه إسلامي باعتبار العصر، كما يطلقون على شعراء ما قبل الإسلام (الجاهليين)، وعلى من أدركوا العصرين (المخضرمين). الثاني : بالنظر إلى من صدرت عنهم، كما في تسمية الإمام الأشعري لكتابه (مقالات الإسلاميين)، لكونها منسوبة لمن ادعوا الإسلام ومنسوبة للفرق والمذاهب الإسلامية للتفريق بينها وبين مقالات أهل الأديان الأخرى. فهذان هما الاعتباران المشهوران لمصطلح (إسلامي) قديما. الثالث : باعتبار المشروعية، وقد شاع في العصر الحديث استخدامه لتمييز كثير من الأشياء كمصطلح (أدب إسلامي) و(اقتصاد إسلامي) و(فن إسلامي) ..الخ وهذا باعتبار مشروعيتها في الإسلام. وبناء على ما سبق فالثورة العربية المعاصرة ثورة إسلامية بكل هذه الاعتبارات والمصطلحات، سواء باعتبار العصر وبالنظر إلى تاريخ الإسلام فهي (ثورة إسلامية)، أو بالنظر إلى من صدرت عنهم وهم الشعوب العربية المسلمة فهي (ثورة إسلامية)، أو بالنظر إلى مشروعيتها في حكم الإسلام في حد ذاتها فهي (ثورة إسلامية)! والسؤال الصحيح يجب أن يكون عن مشروعية الثورة وعن حكم الشرع فيها، لا عن تسميتها أو وصفها وتعريفها، فهل الثورة التي تقوم فيها الشعوب العربية اليوم جائزة ومشروعة أم لا؟ ولا شك بأنها مشروعة من وجوه : الأول : أنها ثورة على الظلم المحرم شرعا، من أجل إقامة العدل الواجب شرعا، كما في قوله تعالى {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}، وقال سبحانه {قل أمر ربي بالقسط}، وقال {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}، وكما في الحديث الصحيح (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)، وفي الحديث الآخر (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ على يد الظالم ونصرة المظلوم (لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا..)، وقال (إذا رأت أمتي الظالم ولم تأخذ على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده)، وقال (لا يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفها حقه)، وفي الحديث (أمرنا رسول الله بنصرة المظلوم)..الخ وكل هذا من المعلوم من الإسلام بالضرورة القطعية، فإنما أرسل الله رسله وأنزل كتبه كما قال تعالى {ليقوم الناس بالقسط}، فالظلم محرما مطلقا ويجب تغييره، والعدل واجب مطلقا ويجب تحقيقه. ومن نظر في أحوال العرب اليوم وشيوع الظلم والتظالم بينهم، وما يجري في السجون والمحاكم من ظلم في الأحكام، وما يجري في الوظائف الإدارية من ظلم في الاستحقاق، وما يحدث في دولهم من ظلم سياسي طبقي وفئوي يدرك سبب ضعفهم وانحطاط أحوالهم وتسلط عدوهم عليهم، وهي نتيجة للظلم واستشرائه بينهم، كما في الحديث الصحيح (إنما أهلك من كان قبلهم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)، ولا يشك من يعرف أحكام الله وسننه الشرعية والقدرية أن ما عليه العرب اليوم من ذل وهوان هو من العقوبة والعذاب بسبب سكوتهم عن الظلم الذي ضجت منه الأرض والسماء، وعدم أخذهم على يد الظالم، حتى عمهم العقاب والخذلان، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (إن الله ينصر الدولة العادلة الكافرة، ويخذل الدولة المسلمة الظالمة).. وهي أيضا ثورة على الاستبداد المحرم شرعا، من أجل إقامة الشورى الواجبة شرعا، فقد استبد الطغاة بالأمة وشئونها وأرضها وثرواتها على نحو لا تقره الشرائع السماوية ولا القوانين الوضعية، ولا يرضى به أهل الكتاب ولا المشركون ولا الوثنيون البوذيون، حتى جرى في العالم العربي من الحوادث ما لا يصدقه عقل، وحتى تم تصنيف دوله بمعيار الأممالمتحدة بأنها أكثر الدول استبدادا وانتهاكا للحريات وحقوق الإنسان، وهذا حكم الأمم الأخرى على اختلاف أديانها وقومياتها على أحوال العرب توصلت له بهدايات عقولها، فكيف بحكم الإسلام الذي جاء لتحرير الخلق من كل أشكال العبودية لغير الله، ومن ذلك تحريرهم من الاستبداد كما قال تعالى {وأمرهم شورى بينهم}، وقال {وشاورهم في الأمر}، وقال {لا إكراه في الدين}..الخ وقد خطب عمر بمحضر الصحابة كما في صحيح البخاري فقال (من بايع رجلا دون شورى المسلمين فلا بيعة له ولا يتابع هو والذي بايعه تغرة أن يقتلا)، وفي رواية صحيحة (فلا يحل لكم إلا أن تقتلوه)...الخ وهذا حكم شرعي بإجماع الصحابة - بناء على نصوص القرآن والسنة - على عدم شرعية الاستبداد وتحريمه ووجوب تغييره ولو بقتل المستبد! وقد تحكم الطغاة بشعوب العالم العربي حتى صار الرجل الواحد المجنون يحكم جبرا بلا شورى ولا اختيار ولا رضا الأمة، ويتصرف بالملايين كما يتصرف السيد برقيقه، يقتل من يشاء بلا محاكمة، ويعفو عمن يشاء، ويهب من يشاء من أموال الأمة ما يشاء، ويمنع من يشاء، ويسجن ويهجر من يشاء..الخ وهي كذلك ثورة على الفساد المحرم شرعا، من أجل تحقيق الإصلاح الواجب شرعا، كما قال تعالى {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}، وقال سبحانه {والله لا يحب الفساد}، وكما في الحديث (طوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس)..الخ ولا يخفى على أحد مدى الفساد الذي استشرى في دول العالم العربي بكل أشكاله وصوره سياسيا واقتصاديا وماليا وقضائيا وإداريا والواقع المشاهد والتقارير الدولية تؤكد ذلك كله، وقد أصبحت الدول العربية تصنف في عداد الدولة الفاشلة، حيث تحولت الحكومات إلى عصابات إجرامية لا هم لها إلا نهب المال العام، والعبث بمصالح الشعوب، والتواطؤ مع العدو الخارجي على حساب الأمة وأرضها وحقوقها، وما تجري من محاكمات اليوم لزين العابدين في تونس، ولنظام حسني مبارك في مصر، يكشف عن جزء يسير من هذا الفساد، الذي صار ضحيته ملايين الفقراء والسجناء والبؤساء في تونس ومصر والعالم العربي! وهي ثورة على الجوع والفقر والخوف، من أجل تأمين العيش والحياة الكريمة والأمن المفقود في العالم العربي، وهي من أوجب الوجبات الشرعية التي يجب على السلطة القيام بها وتأمينها، فإذا لم تستطع فللشعوب الحق شرعا في تغييرها. وهي ثورة على الذل والمهانة والعار الذي لحق بالشعوب العربية وهي ترى حكوماتها تحاصر غزة وتتواطأ مع إسرائيل على الشعب الفلسطيني، ومع أمريكا على احتلال العراق، فثارت على حكوماتها بعد أن فقدت شرعيتها ومشروعية وجودها.. الثاني : أن الثورة على هذه الأوضاع من باب (تغيير المنكر) كما قال تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتغيير المنكر باليد ابتداء، واليد المقصود بها القوة كما في الصحيح (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، فجعل الشارع أعلى مراتب الإيمان التغيير باليد والقوة، ومما يؤكد أن اليد في الحديث هي القوة ما جاء في صحيح مسلم (يكون أمراء يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن..).. وقد قام المسلمون في تونس ومصر بتغيير كل هذه المنكرات العامة بالقوة السياسية الشعبية السلمية، وهو ما أمر الشارع الأمة القيام به كما في الحديث (لتأخذن على يد الظالم)، فقد أخذوا على يد الظالم، وخلعوه وعزلوه. الثالث : أن هذه الثورة من باب (إقامة القصاص) واسترجاع الحقوق من غاصبيها، وهو واجب بالإجماع، فقد قتل هؤلاء الطغاة آلافا من الأبرياء، وسجنوا الآلاف ظلما وعدوانا، واغتصبوا الأموال، وقد أوجب الله في ذلك كله القصاص، ولا فرق في ذلك بين حاكم ومحكوم، فمن قتل يقتل، ومن أجرم منهم يعاقب، ومن حق الأمة الثورة عليهم حتى يقتص منهم، وحتى يحاكموا على جرائمهم، كما قال تعالى {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون يقصون من أنفسهم، حتى قال أبو بكر (وإن أسأت فقوموني). وقد قام آلاف الصحابة مع طلحة والزبير وعائشة وخرجوا من المدينة إلى مكة ثم إلى البصرة للقصاص ممن قتل عثمان رضي الله عنه وهو رجل واحد، جرد الصحابة رضي الله عنهم سيوفهم من أجل إقامة القصاص على من قتله ظلما وعدوانا، فكيف بمن قتل الآلاف في السجون وخارجها، واغتال الأبرياء في الداخل والخارج؟! وقد ثارت الشعوب العربية لتقتص ممن ظلمها وسفك دماءها ونهب أموالها واغتصب حقوقها. الرابع : أن هذه الثورة من باب (جهاد الجائر)، كما في الحديث (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر)، و(أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)، وقد خرجت الشعوب العربية بثورة شعبية سلمية وقامت إلى السلطات الجائرة في بلدانها لتأمرها بالمعروف وتنهاها عن المنكر، ومن أجل تغييرها ولتزيل منكراتها، وتقتص منها، وتقيم الحق عليها، وكل ذلك من الجهاد المشروع كما في الحديث (فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن).. خامسا : أن الثورة العربية المعاصرة في حقيقتها هي خروج الشعب إلى الميادين العامة بشكل سلمي، والاعتصام بها، حتى تستجيب السلطة لهم، وهذا في حد ذاته مشروع بلا خلاف، كما قال تعالى {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}، وفي الحديث الصحيح (إن لصاحب الحق مقالا)، فللمظلوم أن يجهر بالقول السوء على من ظلمه، وأن يرفع مظالمه، وأن يتصدى لمن ظلمه، كما قال تعالى {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}، وقال {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل. إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق}. سادسا : أن أكثر من وقع فيها من الضحايا هم من المتظاهرين سلميا على يد رجال السلطة ظلما وعدوانا، فالمتظاهرون معتدى عليهم، والسلطة هي التي اعتدت، وقد قال تعالى {من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}، والمقتول في مثل هذه الحال شهيد، كما في الحديث الصحيح (من قاتل دون ماله فقتل فهو شهيد) (ومن قاتل دون حقه فقتل فهو شهيد)، (ومن قاتل دون عرضه فقتل فهو شهيد)...الخ. سابعا : وهذا كله على فرض أن هذه الحكومات شرعية، وأنه تجب لها طاعة على الأمة، أما إذا ثبتت عدم شرعيتها أصلا لفقد شروط الإمامة الشرعية، أو ثبتت ردتها شرعا، فالأمر يختلف ويكون جهادها من باب جهاد الطاغوت كما قال تعالى {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا}. وكل هؤلاء الذين يحكمون في الأمة بغير حكم الله ورسوله بل ويقاتلونها على ذلك ويكرهونها عليه طواغيت وجبابرة يدخلون في عموم قوله تعالى {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}، ومن قاتل دونهم بنفسه أو بالكلمة أو بالرأي فهو منهم وممن يقاتل في سبيل الطاغوت وفي سبيل الشيطان! والخلاصة من هذا كله أن هذه الثورات السلمية الشعبية التي يقوم بها المسلمون في العالم العربي اليوم ثورات إسلامية مشروعة، بل هي من الجهاد في سبيل الله، كما فصلت ذلك في مقالي (المقاومة السلمية رؤية شرعية)، ومن قتل فيها من المتظاهرين ظلما وعدوانا فهو شهيد بإذن الله تعالى بل هم سادة الشهداء كما في الحديث (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر).. ولا يشترط للحكم على هذه الثورات بالجواز والمشروعية أن تطالب الشعوب بتحكيم الشريعة، إذ أن قيامهم على الظالم وإبطال جوره وظلمه من إقامة شرع الله وعدله، وكذلك ثورتهم من أجل إطلاق المعتقلين ظلما وعدوانا من سجون الطغاة ونصرة المظلومين هو من إقامة حكم الله وعدله، ورد الغصب وإرجاع الحقوق والأموال المنهوبة من الأمة إلى أهلها هو من إقامة حكم الله وعدله، ورفض الاستبداد بالأمر ورد الأمر شورى بين الأمة هو من إقامة حكم الله وشرعه، ورفض الخضوع للنفوذ الأجنبي هو من إقامة حكم الله وشرعه..الخ فإذا كانت الشعوب تثور من أجل هذا كله فثورتها مشروعة وهي تمارس بالفعل ما أوجب الله عليها من إقامة دينه وشرعه وعدله والقسط الذي جاء به رسله! فإن كانت الشعوب الثائرة تستصحب نية تحكيم الشريعة في واقع حياتها كله فهذا هو الغاية، وإلا فلا يشترط في فروض الكفاية أن لا تقام إلا بهذا الشرط، فالجهاد مثلا واجب على الأمة لدفع العدو الخارجي وهو فرض كفاية وقد يتعين، ولا يشترط له أن لا تجاهد الأمة ولا تدفع عدوها إلا بهذا الشرط، إذ الجهاد فرض في حد ذاته، كما إن تحكيم الشريعة فرض في حد ذاته، ويجب إقامة كلا الفرضين، وكذا كل الفروض والواجبات الشرعية، لا يسقط المقدور منها لعدم القدرة على غيره للحديث الصحيح (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)! ولا يشترط على المظلوم ألا يدفع الظلم عن نفسه حتى يطالب بإقامة الشريعة، ولا يشترط على الجائع ألا يثور من أجل لقمة عيشه حتى يطالب بالشريعة، ومن يشترطون مثل هذه الشروط، أو يبطلون جهاد الأمة اليوم بهذه الذرائع فهم إحدى طائفتين، إما طائفة في قلوبهم مرض ممن داهنوا الطغاة وبرروا لهم طغيانهم واعتذروا لهم عن عدم تطبيقهم للشريعة بأن هذا لا يخرجهم عن دائرة الإسلام ولا يخرجهم عن دائرة الإمامة الشرعية الواجبة الطاعة، حتى إذا خرجت الأمة إليهم، وثارت عليهم لدفع طغيانهم وظلمهم، فإذا هذه الطائفة تجعل من قضية الشريعة وعدم ثورة الشعوب من أجلها الذريعة للحكم على الثورة بعدم الجواز وعدم المشروعية لا نصرة للشريعة التي استخفوا بها وهونوا أمرها للطغاة، بل نصرة للطغاة وحبا لهم، حتى امتلأت قلوبهم قيحا وضغينة على الأمة وشعوبها الثائرة تبديه أفواههم وما تخفي صدروهم أكبر حزنا على سقوط الطغاة بأيدي المستضعفين، فجمعوا بين الإعراض عما أمرهم الله به من جهاد الطاغوت وجهاد السلطان الجائر من جهة، والاعتراض على سنن الله القدرية وعلى عدله في نصرة المظلوم والانتقام من الظالم كما قال تعالى {فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين... واستفتحوا وخاف كل جبار عنيد} من جهة أخرى! وطائفة لا يعرف عنها أنها وقفت مع الطاغوت وحزبه، إلا أنه لفرط جهلها بحقائق الإسلام وغاياته ومقاصده الكلية، نأت بنفسها عن جهاد الطاغوت من جهة، وعابت على الأمة قيامها عليه من جهة أخرى، بدعوى أنه يجب على الأمة أن تكون ثورتها لله لا لنفسها، ولدينه لا لدنياها، ونست هذه الطائفة أن سبيل الله وسبيل المستضعفين كلاهما سبيل للمؤمنين كما قال تعالى {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين}، وأن الله شرع الجهاد عن الدنيا كما شرعه عن الدين كما في قوله تعالى {قالوا وما لنا ألا تقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا}، وقال تعالى {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم} وفي الحديث (من قاتل دون ماله فهو شهيد)، فكما شرع الله الجهاد لحفظ الدين، شرعه كذلك لحفظ الدنيا ولحفظ حقوق العباد ومصالحهم وهذا من الدين أيضا.. فثبت أنها ثورة عربية إسلامية شرعية في أسبابها وغاياتها وممارساتها، وهي في أول طريقها، والواجب على علماء الأمة ومفكريها ترشيدها وتوجيهها حتى تستكمل الثورة عناصر نجاحها ولو بعد سنين، والله غالب على أمره ولو كره المجرمون، وقاصمهم ولو شايعهم الجاهلون!