ما يحدث فى مصر الآن شييء لا يصدقه عقل ولا منطق وسوف يفتح الباب أمام احد من احتمالين كلاهما كارثة تحيق بمصر وتعود بها خمسين عاما للوراء. الخوف الأول من صدام جماهيرى عنيف بين الشعب والحكومة يختلط فيه الحابل بالنابل وقد يؤدى الى كارثة إنسانية وربما تدمير للقاهرة التى تحاط بملايين المهمشين فى العشوائيات المختلفة والذين يعيشون فى ظروف بالغة الصعوبة. وكما يقول كاتبنا الرائع بهاء طاهر فى جريدة الدستور أن مذبحة الإسكندرية دبرت من الحكام وانتهت بالاحتلال البريطانى، وحريق القاهرة لم يعرف احد بدقة من قام به وان كان فى الأغلب أن الملك والانجليز ضالعين فيه على الأقل بالشرارة الأولى. أضم صوتى لبهاء وأقول ان على الحكومة ان تنتزع الفتيل فلا نريد فوضى ولا نريد حريقا آخر ولكن يبدو أن الدولة لا تستمع الى احد وماضية فى غيها ضاربة عرض الحائط برأى المثقفين والقضاة والنقابات والجامعات وكل الشعب فى سبيل ان تستمر جوقة من الفاسدين فى الحكم ينتهى بتوريث الحكم لإبن الرئيس وفى ظل حالة طوارئ تستمر للأبد. والاحتمال الاخر وبسبب الخيبة القوية لنظام الحكم هو أن يحدث تدخل أجنبى عسكرى مستتر ولكنه صريح وواضح فى مصر ويفرض ما يراه لمصلحته وتوضع مصر تحت الحماية الأمريكية الإسرائيلية المباشرة، وهى كارثة بكل المعانى يضيع معها مستقبل مصر وكفاحها ودماء أبنائها التى فقدت بين السجون والحروب خلال قرن من الزمان. والحكومة الضعيفة المتهالكة التى يتدخل فى أدق شئونها كل دول العالم بدءا من أمريكا والاتحاد الاوروبى ومرورا ببعض الدول الخليجية وإسرائيل وحتى بعض الأفراد مثل الأمراء من أصحاب البلايين، يقلقها فقط مراقبة الانتخابات لأنها تعلم انه لو كان الاشراف قضائيا والمراقبة موجودة فسوف يذهب الحزب الوطنى فى الباى باى. يبدو أن الحكومة تدفع بالأزمة الى نهايتها ويقول البعض انها ربما قد تفعل بعض الفوضى لكى تستمر الطوارئ وتكتمل مسيرة الفساد والتزوير والبلطجة. التصور الحكومى بأن الأمور سوف تهدأ بعد انتخاب الرئيس أو حتى انتخابات مجلس الشعب شيء مستحيل لانه يبدو أن الحكومة ورجالها لا يتحدثون لرجل الشارع فى كل مكان ولا يعرفون ما يدور فى مصر وتقاريرهم خاطئة ومعلوماتهم مضللة. لا أحد يطيق هذا النظام أو يصدقه والجميع يريدون ان يتخلصون منه فى أقرب فرصة ممكنة.. وكنت أتمنى لو كانت طاقية الإخفاء متاحة ويمكن استخدامها لكنت نصحت السيد جمال مبارك بالتجول فى الأسواق والشوارع والمقاهى والجامعات ليسمع بنفسه رأى الشعب الحقيقى. وحتى يستمر نظام الحكم فى مصر اصبحت خطة الدولة تقوم على محورين أساسيين أولهما التزوير وثانيهما البلطجة. دولة التزوير تقوم فلسفة الحكم فى المحروسة على تقنين التزوير واحترامه واعتباره اساس النظام. فمجلس الشعب الذى اقترح الشكل الجديد للمادة 76 هو مجلس يعلم الجميع انه مجلس مزور وغير شرعى وقادة المجلس معروف انهم نجحوا بالتزوير واحكام محكمة النقض فى عدد النواب المزورين فى هذا المجلس يفوق أى تصور. وثورة القضاة مثل واضح على فضائح الدولة، فقد أعلن القضاه فى الإسكندرية صراحة بأن الدولة المصرية مزورة وأن هناك قلة من القضاه تابعين للحكومة ويأتمرون بأمرها وأقروا بأن كل الانتخابات والاستفتاءات المصرية التى تقوم بها حكومتنا الرشيدة مزورة والجامعات المصرية مكبلة ومقيدة وكل المناصب بالتعيين بالرغم من ان الدستور المصرى ينص على استقلال الجامعة. نوادى أعضاء هيئة التدريس باستثناء نادى جامعة القاهرة أعضاؤها معينين. نقابات الأطباء والمهندسين مغلقة بالضبة والمفتاح لأن هناك مشكلة وحيدة وهى أن الحكومة لا تملك وسائل التزوير فيها ولو أمكنها ذلك لفتحت باب الانتخابات فورا. أما الاستفتاء الأخير فهو مثل كل ما سبقه من استفتاءات، نتائجه بالكامل من تأليف وتلحين واخراج وزارة الداخلية. هناك فارق واحد ان هذا الاستفتاء كان تحت مجهر العالم كله. ونشرت جريدة الأهرام العريقة فى ما نشيت لها قبل الاستفتاء بأنه طبقا لمراكز استطلاع الرأى العام توقع الدكتور عاطف عبيد اشتراك 80% من المقيدين فى جداول الانتخاب والموافقة لن تقل عن 95%. أما الأخبار فى مانشيت رائع قالت ان 11 مليون عامل وفلاح اتفقوا على الإدلاء بأصواتهم فى الاستفتاء ولم يذكر المحرر كيف اتفقوا وأين اجتمعت هذه الملايين لتنفيذ هذا الاتفاق. أما عن أكثر من سبعة عشر مليون مواطن يمثلون 53% من مجموع اصوات المقيدين فى الجداول الانتخابية مقارنة ستة ملايين مواطن فقط أدلوا بأصواتهم فى الانتخابات النيابية لعام 2000 بنسبة 25% من المقيدين. ومن المعروف ان انتخابات مجلس الشعب تحظى بمشاركة أكبر بكثير من أى استفتاء وذلك للمجهود الذى يقوم به المرشحون لاقناع الناخبين بالذهاب لصناديق الانتخاب بالاضافة الى العصبيات القبلية التى تحفذ قرى بأكملها للذهاب الى الصناديق ويقدر الخبراء ان نسبة التصويت فى الاستفتاءات عموما لا تزيد عن عشرة بالمائة من نسبة التصويت فى انتخابات مجلس الشعب.. وبحساب الخبراء يكون عدد من شاركوا فى الاستفتاء لا يمكن أن يصل الى مليون مواطن وهو ما يعنى أن وزارة الداخلية قد ضاعفت العدد سبعة عشر مرة. الخلاصة الاستفتاء مزور والدولة مزورة والموضوع واضح كالشمس. وأنا واثق من أنه لا رئيس الجمهورية ولا نجله ولا رئيس وزرائه ولا أحد فى هذه الدولة يعرف بالضبط كم مواطنا ذهب الى صندوق الانتخاب لانه عندما يعم الفساد والفوضى لا أحد من الحكام يهتم حتى بمعرفة الحقيقة وحجم المأساة ليحاول الإصلاح وما يحدث هو إدارة الأحداث بطريقة عشوائية بنفس الطريقة التى يتم بها محاولة حل مشاكل مصر والسيناريو الذى أتخيله هو أن يجلس مهندسوا التزوير ليتداولوا قبل إعلان نتيجة الاستفتاء ليصرح أحدهم نسبة 90% حضور كويسة ويقول أكثرهم تعقلا لا كثير، خليها 40% كفاية ويقول الآخر، 80% كويس علشان الريس ينبسط، ثم يقولون 53% كويس خلينا معقولين، نعم معقول مشيها كده، وتعلن النتيجة الرائعة ويعلم كل المصريين وكل العالم ان دولة مصر بقيادة مبارك مازالت تزاول التزوير فى الاستفتاء نفس الطريقة الفجة التى مارستها خلال نصف قرن. دولة البلطجة أصبحت البلطجة هى الشعار الآخر للدولة المصرية وطريقتها فى التعامل مع كل المشاكل التى تعترضها وبالرغم من انه ينتج عن استخدام البلطجة فضيحة ولكن هذا النظام لأنه أصلا غبى وأيضا فقد عقله وتوازنه لا يتصور ولا يتخيل ولا يفهم ان البلطجة تضعفه داخليا وخارجيا، فالكل يهزأ بالدولة التى تخطف رئيس تحرير العربى وتجرده من ملابسه، ماهى النتيجة؟ لا قنديل خاف ولا الصحفيين خافوا وانهالت الطلقات الساخرة على النظام من المصريين فى كل الصحف فى مصر والعالم وأصبحت فضيحة النظام بجلاجل فى الفضائيات. ضربت الشرطة المصرية نواب الشعب وكانت فضيحة عالمية سوف تخلدها كتب التاريخ عن عصر حسنى مبارك. تقوم مظاهرة سلمية أمام ضريح سعد فى الأربعاء الماضى فتنهال الشرطة المرتدية الملابس المدنية بالضرب على المتظاهرين وتقوم بسحل النساء وتعريتهم أمام نقابة الصحفيين ولا تخجل هذه الدولة من فعلتها إلا حين تنشر الصحف الأمريكية والأوروبية الفضيحة وتنتقل الجلاجل من المحروسة الى العالم كله، هنا يقف المتحدث الرسمى لرئاسة الجمهورية ليعلن ان الإعلام قد بالغ فى وصف البلطجة الحكومية. لقد قامت أمريكا بتربية ومساعدةالإرهابين فى أفغانستان، وبعد انتهاء المهمة قاموا بالهجوم عليها. ويقوم الحزب الوطنى برعاية البلطجية الذين سوف يتحولون بدون أدنى شك الى جحافل من الارهابيين للانتقام من كل رموز دولة البلطجة. أنا مذهول من المستشار السياسى العبقرى الذى نصح النظام باستخدام البلطجة الحكومية لتثبيت اركانه فكان أن أهانه ولطخ سمعته ومرمطه فى صحف العالم وامام شعوب العالم وحكامه. هذه البلطجة الفجة فضحت النظام فى الخارج أما فى الداخل فالشعب المصرى يعرف ان البلطجة أصبحت سياسة دولة .