في الوقت الذي صرح فيه الدكتور محمود محي الدين وزير الاستثمار التخلص من جميع الهيئات الاقتصادية الحكومية حتى نهاية 2005 بالبيع أو التصفية والتي تضم أكثر من 500 شركة ومصنع وهيئة فقد طفت إلى السطح خلال الأيام الماضية خطة وزارة الاستثمار بطرح البنوك العامة للتقييم المالي وجرد الأصول والمديونيات المستحقة لدى الغير بهدف الوصول إلى تقييم مالي لكل بنك على حدة. في نفس الاتجاه بدأت لجنة في وزارة الاستثمار تضم مجموعة من الخبراء الاقتصاديين ورجال الأعمال وكذلك مجموعة من ممثلي أمناء الاستثمار بالبنوك العامة الأربعة لبحث البدء في تقييم بنك الإسكندرية باعتباره حقل تجارب لتعتيم عملية أصول البنوك تمهيداً لبيعها. في الوقت نفسه حذرت مصادر مطلعة داخل البنك المركزي من عدم قانونية الإجراء نفسه حيث إن هذه البنوك تحتوي على مدخرات المصريين وهو ما سيؤدي في حال بيعها إلى هزات اقتصادية واجتماعية ذات عواقب سلبية قد تؤدي في النهاية إلى سحب جميع المدخرات في البنوك. وأشارت المصادر إلى أن تجربة الاقتصاد المصري مع البنوك الأجنبية شاهد عيان على فشل عملية خصخصة البنوك حتى ولو كانت صغيرة فقد تحولت هذه البنوك إلى مكاتب للتجسس وتحويل الأموال للخارج باعتبار أنها ذات سيادة داخل الأراضي المصرية والتي تضم أكثر من 14 بنكاً صغيراً أجنبياً ومشتركاً. ومن جانبه دلل الدكتور حسن عباس ذكي وزير الاقتصاد الأسبق على عدم قدرة الاقتصاد المصري والبنك المركزي على مواجهة عمليات تصفية البنوك العامة لصالح مستثمرين أجانب مشيراً إلى أن الظروف الاقتصادية في مصر حالياً لا تحتمل استقدام مستثمرين أجانب للاستثمار في أموال الشعب كما أنهم يسيطرون على وزارة الاستثمار ومن قبل فشلوا في الاستثمار في المصانع والشركات في المدن الجديدة رغم التسهيلات والتيسيرات الاستثمارية التي منحتها لهم الدولة حيث وصل سعر متر الأرض في بعض الأحيان إلى جنية واحد مصري. وشدد على ضرورة وقف عملية التقييم قبل بدئها حرصاً على السيادة المصرية والاقتصاد القومي مشيراً إلى أن فكرة طرح البنوك في البورصة على هيئة أسهم يجب ألا تقتصر على مستثمر واحد حال الاستمرار في عملية البيع حيث أن طرح الأسهم بمستثمر واحد هي العادة التي تنتهجها الحكومة خلال عمليات الخصخصة سوف يؤدي بالضرورة إلى منع دخول مستثمرين آخرين كما أن الطرح من خلال البورصة لمجموعة محدودة من الأسهم سوف يؤدي إلى سحب أموال المودعين في البنوك وهو ما سيقلل الأرقام الإجمالية للبيع الأمر الذي يقضي على أمال وطموحات الحكومة في إيجاد نسب تقديرية تتعدى المليار جنية في بنك مثل بنك الإسكندرية وهو أقل البنوك العامة رأسمالاً وإيداعاً. وتساءل الدكتور مصطفى السعيد وزير الاقتصاد الأسبق عن جدوى عمليات البيع للبنوك العامة باعتبارها الميزان الحقيقي لقدرة الدولة والتزامها على سداد ديونها الخارجية سواء العامة أو العسكرية بالإضافة إلى قدرة الدولة على المشاركة الإيجابية في استغلال القروض والمنح التي لا ترد والتي تحصل عليها مصر باعتبارها إحدى الدول العالم الثالث التي تحتاج إلى مشروعات التنمية الريفية ومشروعات البنية الأساسية حيث إن الدول المانحة تدرس قبل السماح بالمنح والقروض وعمليات التمويل الداخلي قدرة البنوك العامة داخل البلدان النامية على المساهمة بتحمل نسبة 50% من إجمالي المنشآت والمشروعات التنموية فيها. وقد شهدت الفترة الأخيرة استرداد مجموعة من الدول المنح التي لها في وزارة الصحة والتي تجاوزت المليارات لعدم قدرة البنوك على تمويل 50% من قيمة المنحة بمشروع الزمالة الذي طرحته الوزارة مع نقابة الأطباء وكذلك وزارة الصناعة التي ألتزمت برد منحة أخرى للنهوض بالصناعة المصرية حيث لم تستغل لنفس السبب. وقال السعيد إن القرار لا يستند إلى المصلحة القومية على اعتبار أن مصلحة مصر تقتضي التوسع في ملكية الدولة وليس تهميش دورها.