تباينت ردود السادة القراء بخصوص مقالى السابق الذى كان يتحدث عن فكرة توصيل نهر الكونغو بنهر النيل، بعض القراء الأعزاء أبدوا حماسة شديدة للفكرة، وبعضهم استحسنها ولكنه يرى صعوبة تنفيذها، والبعض الآخر اعترض عليها تمامًا واعتبرها ضربًا من ضروب الخيال. وقد يكون فى هذا التباين تصديقًا لافتتاحية المقال السابق الذى ذكرت فيه أن هذه الفكرة مجنونة عند البعض وعبقرية عند البعض الآخر. كنت قد شرعت فى كتابة مقال جديد بموضوع مختلف، ولكن نظرًا لأهمية مشروع النيل والكونغو، ونظرًا لوجود الكثير من الشبهات حول هذا المشروع؛ فإننى أرى أن الموضوع يستحق مقالًا آخر أحاول فيه التعليق على بعض الملاحظات التى وصلتنى، وإنى أرجو المعذرة من السادة القراء إن خرجت عن الشكل التقليدى للمقالة وجعلت الموضوع كأنه حوار بين شخصين: - الموضوع شائك ومعقد، وسنحتاج إلى جهود دبلوماسية ضخمة كى نقنع الدول المشتركة فى هذا النهر حتى توافق على هذا المشروع. نهر الكونغو هو نهر داخلى، ينبع ويصب داخل أراضى الكونغو، وباستثناء بعض الروافد القليلة من دولٍ مجاورة، فإن النهر بالكامل يخص دولة الكونغو (دولة المنبع والمصب)، نصل من هذا إلى أننا لسنا بحاجة لموافقة أى دولة إلا دولة الكونغو الديمقراطية فقط. - لا ينبغى أن نغرق فى الأحلام الجميلة ونهرب من الواقع، ما الذى يجعل دولة الكونغو توافق على أن تنقل إلينا جزءًا من مياهها، ما المقابل الذى ستحصل عليه؟ سكان الكونغو يعتمدون بصورة أساسية على مياه الأمطار فى زراعاتهم، وبالتالى فالكونغوليون لا يعانون من نقص أو أزمة مياه، الفائدة التى ستحصل عليها الكونغو هى بالأساس مشروعات الطاقة الكهربية التى ستقام على أراضيها، سكان الكونغو لديهم نقص حاد فى الطاقة الكهربية، وهناك بعض المناطق فى (كينشاسا) العاصمة مازالت تعتمد على الشموع فى الإنارة. - الفكرة جيدة من الناحية النظرية، ولكن على أرض الواقع لا أظن أنها قابلة للتطبيق؛ فالمسافة بين النهرين كبيرة جدًا، وبالتالى سيحتاج حفر القناة إلى إمكانيات كبيرة وستكون التكلفة عالية. منذ قرن ونصف من الزمان، استطاع المصريون حفر قناة السويس وهم لا يمتلكون سوى سواعدهم ومعاولهم وفئوسهم، فهل نعجز اليوم مع تقدم تكنولوجيا الحفر ووجود المعدات والآليات الحديثة من أن نحفر قناة مهما كان طولها؟!. - وبالنسبة للتمويل: هل ترى أن مصر أو السودان أو الكونغو لديهم ما يكفى لتمويل مشروع ضخم وطويل الأمد كهذا المشروع؟ التمويل هو أسهل نقطة فى هذا المشروع، هناك العديد من المستثمرين ورجال الأعمال الذين أبدوا استعدادهم للمشاركة فى تمويل هذا المشروع، بدون أن يكلفوا خزانة الدولة مليمًا واحدًا. - هناك اتفاقيات دولية تحظر نقل المياه بين الأحواض النهرية. هذا ينطبق على الأنهار الدولية، أما الأنهار المحلية فلا تخضع لهذه الاتفاقيات، ونهر الكونغو نهر محلى ينبع ويصب بالكونغو الديمقراطية، كما أن الخرائط الجيولوجية قد أكدت وجود تلامس بين حوضى نهر النيل ونهر الكونغو فى بعض المناطق.